القضية الجنوبية في مؤتمر الرياض 2

2022-03-20 11:09

 

دعوة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد مؤتمر للتشاور حول الأزمة اليمنية في العاصمة السعودية الرياض لقيت أصداءً واسعة في وسائل الإعلام اليمنية والعربية بل والعالمية، وكثرت التوقعات حول ما سيخرج به هذا المؤتمر من نتائج، إلى درجة أن البعض قد تطوع بصيغة جاهزة من عنده لهذه النتائج ولم يدع لمن سيشارك في هذا المؤتمر إلا الموافقة علي ما تطوع به وإلا فمصيره سيكون غضب المنظمين والخسف به في الدرك الأسفل من النار.

ومع إدراكي لتعقيدات الملف اليمني وجسامة المهمة المرتقبة ويقيني بأن لا وصفةً جاهزةً ولا صيغةً مسبقةً لما سيقرره المؤتمر يمكن أن تلاقي النجاح المأمول نظرا لتعدد الأجندات وتناقض الأهداف والأهم من هذا صراع القابليات لدى الأطراف المتنازعة لأية حلول ومخرجات أولية، ناهيك عن قابلية هذه المخرجات للصمود أمام التحديات، . . . أقول مع كل هذا سأختصر حديثي هنا على القضية الجنوبية وماذا سيحقق الجنوبيون من هذا المؤتمر، وقد أتوقف عند بقية القضايا في مقامٍ آخر.

وهنا لا بد من التوقف عند المؤشرات والحقائق المهمة التالية:

  1. من المتوقع أن الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية الشقيقة يركزون على ملف الحرب والنزاع بين الشرعية والانقلابيين، وإذا ما صدق هذا التوقع فإن الدعوة إذ تستحق التقدير والثناء، فأنها تقفز على قضايا يعود تاريخها إلى ما قبل الانقلاب والحرب وإلى ما قبل انقسام الشرعيين السابقين انفسهم إلى طرفين متناحرين، وأعني هنا القضية الجنوبية التي يعلم الجميع أن جذورها تعود إلى حرب الغزو والاحتلال في العام 1994م.
  2. إن أي معالجة للأزمة اليمنية الراهنة دون التعرض للقضية الجنوبية إنما تمثل تكريساً لنتائج حرب الغزو والاحتلال تلك، وتهميشا لشعب يناضل من أجل استعادة دولته التي دمرتها تلك الحرب وهو حق تكفله كل الشرائع والقوانين السماوية والوضعية وتنص عليه كل المواثيق الدولية التي صادقت عليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
  3. لن أتحدث عن التضحيات التي قدمها شعب الجنوب في سبيل تحقيق هدفه الرئيسي وهو استعادة دولته بحدود21/ مايو/1990م ولا عن الخذلان الذي تعرض له الأشقاء في دول التحالف العربي وهم يتصدون للمشروع الأيراني في اليمن بأدوات هي أقرب إلى أيران منها إلى التحالف العربي، لكنني أذكِّر هنا أن شعب الجنوب كان على الدوام المستجيب الأول لجميع مبادرات الأشقاء المستهدفة إنهاء الحرب وحل المعضلة اليمنية، كان هذا قبل ثم بعد إشهار المجلس الانتقالي الجنوبي الذي صار اليوم أكثر القوى الجنوبية حضوراً ووضوحاً في التعبير عن قضية الجنوب ومطالب الشعب الجنوبي.
  4. إن هذه الاستجابة وما تحمله من تفاعل بنَّاء مع مبادرات الأشقاء من قبل الشعب الجنوبي ومجلسه الانتقالي لا تعبر عن عجزٍ أو ضعفٍ في الموقف الجنوبي ولا تنطوي على أي مؤشر للتراجع عن تطلعات الشعب في الجنوب ولكنها تنطلق من الموقف المسؤول الذي يرى أن حل قضية الجنوب مع المحتلين السابقين والساعين الجدد لإعادة احتلال الجنوب، . . إن هذا الحل بالوسائل السلمية هو أقصر الطرق وأقلها تكلفة للطرفين (المحتلين وأصحاب الأرض الواقعة تحت الاحتلال).
  5. إن الشعب الجنوبي وهو يضع في المقام الأول الخيارات السلمية لحل القضية الجنوبية من خلال استعادة الحق الجنوبي في دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 21 مايو 1990م قد برهن أنه جاهزٌ لجميع الخيارات، إذا ما أخفق الخيار السلمي.

وهكذا فإنني إذ أَميل إلى مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في فعاليات مؤتمر الرياض2  أتمنى على فريق المجلس الانتقالي أن يكون لديه مبادرته المستقلة التي تعبر عن رؤيته لحل المعضلة اليمنية حلا شاملا يضمن للجنوبيين استعادة دولتهم كاملة السيادة على حدود 21 مايو 1990، مع تصور متكامل لحل مشكلة الصراع على السلطة بين الأشقاء الشماليين على النحو الذي يؤمن قيام دولة جارة شقيقة مستقرة تغلق أبواب الانقلابات والحروب والصراعات بمختلف خلفياتها القبلية والمذهبية والجهوية، وتتعايش مع جوارها الإقليمي (العربي والإسلامي) ومع العالم، وقبل هذا مع شقيقتها الدولة الجنوبية لنبني معاً شراكات متينة ومثمرة ومستدامة بين الشعبين والدولتين الشقيقتين، . .شراكات تحمي المصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين وتقضي على كل نزعات الهيمنة والاستقواء وادعاء الافضلية أو التفوق.

وفي تصوري أن مؤتمر الرياض المرتقب لن يقدم وصفةً سحريةً تقضي على كل أسباب المشكلة، لكن على الأشقاء أن يدركوا أن المعضلة لها عناصرها وتفاصيلها وأن الحل لن يكون إلا باستيعاب هذه التفاصيل، فالوباء الذي يصيب أسرة بكامل أو معظم أفرادها لا يمكن معالجته إلا بمعالجة الأفراد كلا على حدة إذا لا توجد وصفة يمكن أن تصلح لكل الأفراد.

ولقد فشلت المبادرة الخليجية ومخرجات حوار صنعاء وقرارات المنظمة الدولية، وكذا اتفاق الرياض، لأنها قفزت على تفاصيل المشكلة وكمائنها الجادة وحاولت معالجة الأزمة المعقدة من خلال عملية انتقائية عجولة وترقيعية أوصلت البلاد إلى هذه الحالة الكارثية التي لم تعرفها الدولتان الشقيقتان ولا الشعبان الشقيقان حتى في أسوأ مراحل تاريخهما.

وأخيراً

إن قصة الوعود القائلة "سنحل قضية شعب الجنوب ولكن بعد إنهاء الحرب" لا تختلف عن قصة الرعاة مع ذلك الغريب المحتال الذي تعهد لهم بأنه سيقتل الذئب الذي أهلك أغنامهم وأزعج سكينتهم مقابل حكمهم حتى قتل الذئب، فالشعب الجنوب ليس تلك المجموعة من الرعاة لأنه يدرك ماذا يريد ولديه من الأهلية ما يمكنه من التصدي للذئب بأدواته وسبله ومشروعية قضيته

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل