لكونهم مجرّد أداة إيرانيّة لا يعرف الحوثيون أنّهم يتعاطون مع دولة من دون عقد اسمها دولة الإمارات العربيّة المتحدة. دولة تجاوزت الشعارات المضحكة المبكية التي تتاجر بها إيران وغير إيران.
الحوثيون فقدوا صوابهم في ضوء الضربات التي تلقوها
في النهاية تسير قافلة دولة الإمارات العربيّة المتحدة في الاتجاه الذي يفرضه منطق العصر وكلّ ما له علاقة بخدمة المواطن الإماراتي والمقيمين في الإمارات السبع. يرتبط المشروع الإماراتي بالسياق العام الواضح الذي رسمه مؤسّس الدولة رجل التسامح والانفتاح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. ينتهج أبناؤه الذين يكملون الرسالة خطا مرتبطا بالتقدّم والتصالح مع الحداثة والعلم والمعرفة والانتماء إلى القرن الحادي والعشرين.
من هذا المنطلق، يفترض في من يعتدي على الإمارات ألّا يغيب عن باله أنّ أمن الدولة خطّ أحمر في عالم لا مكان فيه للمترددين ولا للمراهنين على الأوهام من نوع الحماية الأميركيّة وغير الأميركيّة. لا مكان لابتزاز الإمارات والتهويل عليها، لا لشيء سوى لأنّها قادرة على الدفاع عن نفسها فضلا عن أنّها ترفض في كل وقت الدخول في هذه اللعبة المرفوضة من أيّ دولة تحترم نفسها.
لقيت الإمارات، التي لن تتوقف مسيرة قافلتها عن التقدّم، تأييدا كبيرا ودعما واضحا من المجتمع الدولي في ضوء الاعتداءات الحوثيّة عليها، وهي اعتداءات تكشف اللعبة التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية. تقوم اللعبة الإيرانيّة على استخدام أذرع “الحرس الثوري”، مثل الميليشيات الحوثية، التي تسمّي نفسها “جماعة أنصارالله”، في توجيه صواريخ ومسيّرات في اتجاه الأراضي الإماراتيّة. تفعل ذلك انطلاقا من اليمن، المطلوب تحويل قسم منه إلى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانيّة. يلي إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة صمت إيراني وتبرّؤ لطهران من تلك الاعتداءات.
تبيّن منذ الاعتداء الأوّل الذي استهدف مطار أبوظبي ومنطقة المصفّح الصناعيّة في أبوظبي أنّ الإمارات تمتلك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن نفسها وحماية أراضيها من جهة وعلى توجيه ضربات سريعة إلى المعتدين من جهة أخرى. أكثر من ذلك، كشفت الاعتداءات على الإمارات أن الحوثيين فقدوا صوابهم في ضوء الضربات التي تلقوها في محافظتي شبوة وأبين اليمنيتين. بكلام أوضح، تلقّى المشروع الإيراني في اليمن ضربة قويّة في ضوء التقدم الذي حقّقته على الأرض القوات التابعة لألوية العمالقة. استطاعت هذه القوات، وهي في معظمها يمنية جنوبيّة، إخراج الحوثيين من شبوة وتحقيق اختراقات في مأرب. شبوة محافظة جنوبيّة أصلا. لشبوة أهمّية كبيرة على كلّ المستويات، إن بسبب ما فيها من ثروات أو بسبب موقعها الجغرافي. أمّا مأرب، فهي محافظة شماليّة كانت جزءا من الجمهورية العربيّة اليمنيّة قبل الوحدة. تاريخيا، هناك ارتباط بين مأرب وشبوة، كما هناك ارتباط بين شبوة وكل من محافظتي حضرموت وأبين الجنوبيتين.
ليس سرّا أن الإمارات دعمت العمالقة في سياق تحقيق توازن في الداخل اليمني تمهيدا لإيجاد صيغة تكون أساسا لتسوية سياسية تعالج وضع بلد تشظّى. ما حدث في شبوة ثم في مأرب أخيرا يظهر أن الحوثيين ليسوا من النوع الذي لا يقهر. سبق إخراجهم من عدن ومن ميناء المخا في العام 2015. الأكيد أن ذلك لم يحصل عن طريق قوات ما يسمّى “الشرعيّة” التي تخاذلت المرّة تلو الأخرى بسبب حسابات الإخوان المسلمين الذين يسيطرون عليها وبسبب غياب أيّ شخصيّة قياديّة تمتلك رؤية سياسية واضحة فيها.
يبقى مفيدا التوقف عند نقطتين. أولاهما أن مشكلة الحوثيين في اليمن وليس خارجها. لا يمتلك الحوثيون الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة أي مشروع اقتصادي أو سياسي باستثناء نشر البؤس في مناطق سيطرتهم. ما الذي يمكن تصورّه من ميليشيات تجند الأطفال وترسلهم إلى ساحات القتال بعد غسل أدمغتهم بالاعتماد على خرافات وشعارات من نوع “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”؟ ما قيمة هذا الشعار وكيف يمكن أن يخدم الشعب اليمني الذي هو من أفقر شعوب العالم؟ كيف يمكن لبلد التنكر لجانب مهمّ من تاريخه. يتمثّل هذا الجانب في الوجود اليهودي في اليمن، بما في ذلك صعدة نفسها معقل الحوثيين؟
هناك إفلاس حوثي على كلّ المستويات وهناك نجاح واحد يتمثّل في تمكين “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية من إيجاد موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة تبتزّ منه المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات. تفعل إيران ذلك من أجل خدمة مشروع بائس لا يجلب غير الجوع والفقر والمرض والجهل. لا يأخذ هذا المشروع الإيراني في الاعتبار الضحايا الذين يسقطون بين اليمنيين الذين يعانون كلّ يوم من كلّ أنواع العذاب.
أمّا النقطة الثانية والمهمّة التي لا بدّ من التوقف عندها أيضا، فهي إعلان الحوثيين عن عدوان جديد على الإمارات في وقت كان رئيس الدولة الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يجري محادثات مع كبار المسؤولين في أبوظبي في مقدّمهم ولي عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد الذي قال في المناسبة “إن إسرائيل والإمارات يجمعهما فهم مشترك لأهمّية اتخاذ موقف حازم ضد الميليشيات والقوى الإرهابيّة”. لم يستطع الحوثيون التأثير على الزيارة المهمّة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي والتي جاءت بعد أيّام قليلة من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أبوظبي، وهي زيارة أكّدت، أقلّه في ضوء كلام الرئيس المصري ولغة الجسد بينه وبين وليّ عهد أبوظبي، العلاقة المتميّزة التي تربط بين السيسي والشيخ محمّد بن زايد.
أين كان موقف الحوثيين وتهويلهم والأفلام المفبركة التي يوزعونها عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي (السابق الآن) بنيامين نتنياهو سلطنة عُمان والتقى السلطان الرحل قابوس بن سعيد، رحمه الله، في مسقط في تشرين الأوّل – أكتوبر 2018؟ لماذا لم تتجرّأ وقتذاك إيران، التي حصلت في أثناء حربها مع العراق بين العامين 1980 و1988 على شحنات أسلحة إسرائيلية، على توجيه أي انتقاد للزيارة؟
مرّة أخرى، لا يعرف الحوثيون، نظرا إلى كونهم مجرّد أداة إيرانيّة، أنّهم يتعاطون مع دولة من دون عقد اسمها دولة الإمارات العربيّة المتحدة. هذه الدولة تجاوزت الشعارات المضحكة المبكية التي تتاجر بها إيران وغير إيران في ما يخصّ فلسطين والفلسطينيين. هذه دولة غير قابلة للابتزاز وللخضوع للتهويل، أقلّه لسبب واحد هو أنّ حكامها متصالحون مع شعبهم لا أكثر ولا أقلّ. مشكلة الحوثيين مع الشعب اليمني، لكنّها تكمن أيضا في أنّهم أسرى مشروع إيراني لا يأبه بما يحلّ بالشعب اليمني وأطفاله…