حضرموت تقلب المعادلات

2022-01-02 10:00

 

بعكس ما خطط له المخططون وراهن عليه المراهنون، وتمناه أصحاب النوايا الشريرة، لم يخبت صوت أبناء محافظة حضرموت الجنوبية، ولم تهن إرادتهم وهم يقيمون هبٌَتهم الشعبية الثانية، بل لقد تضاعف عدد المتعاطفين مع هذه الهبة من أبناء المحافظة ومن خارجها، حتى غدت اليوم هاجساً يراود معظم المواطنين الجنوبيين الذين كشفت لهم هذه الهبة مخزوناً كبيراً من أدوات المواجهة والرفض لسياسات الاستحواذ والنهب والإقصاء والحرمان والاستعلاء والوصاية الجوفاء الاي أنتجتها حرب الغز  والاختلال في العام ١٩٩٤م.

هل سأل أحدكم نفسه لماذا أُخرِسَت محطات الإعلام المهاجرة المخصصة لمهاجمة الجنوب والجنوبيين، إزاء الهبٌَة الحضرمية والقائمين عليها؟

سأُرجئ الرد على هذا التساؤل حتى أبَيٌِن بعض التفاصيل عن الزلزال الكبير الذي أحدثته هذه الهبة في بنية المعادلة السياسية في المنطقة وصراع الجنوبيين من أجل استعادة حقوقهم وفي مقدمتها حقهم في أن يكون لهم دولتهم المستقلة بحدود 21 مايو 1990م.

لطالما راهن أساطين حرب 1994م ووسائطهم وأدواتهم الإعلامية بأعدادها الهائلة على تقسيم الجنوب والجنوبيين إلى نواحي جغرافية متباينة ومختلفة بل ومتعارضة، كما حاولوا أن يصوروا الأمر، وكرس إعلام هؤلاء نظرية أن هناك مناطق جنوبية مفطورة على الشغب والأذى وإثارة البلبلة وإقلاق الأمن، وهم يقصدون بكل هذا رفض الشعب الجنوبي لسياسات الاستباحة والسلب والنهب وعموما سياسة تدمير الجنوب أرضاً وشعباً وتاريخاً وهويةً ودولةً، . . .ذلك هو الشغب وإقلاق الأمن وتلك هي البلبلة وإثارة الفوضى في نظر هؤلاء، وحاول هذه الإعلام والقائمون عليه إقناع المتابع الجنوبي واليمني وحتى العربي بأن المحافظات الغربية ممثلةً بمحافظات الضالع ولحج وعدن و(جزئياً) أبين هي محافظات الشغب والبلبلة وإثارة الفوضى.

وبمقابل هذا حرص أساطين هذا الإعلام وممولوه وراسمو سياساته على تصوير المحافظات الشرقية، بدءً بمحافظة شبوة فحضرموت والمهرة وحتى سقطرة على إنها محافظات مسالمة وأن أهلها غير ميالين إلى ما يسمونه بـ"الشغب والبلبلة والفوضى"، التي يقصدون بها المطالبة بالحقوق وإنهاء نتائج حرب 1994م واستعادة دولة الجنوب.

وكما قلت في منشور سابق كان القائمون على هذه السياسة يقدمون رشوة لأبناء المحافظات الشرقية بمدحهم على أنهم "وحدويون" دون أن يعلموا بأن هذه المفردة قد تحولت إلى شتيمة لكل من توجه له بعد ما تبين من هم الوحدوين وكم من المنهوبات وأعمال اللصوصية والسلب والسطو واباستحواذ وسوء استخدام السلطة والعجرفة والمواقف المتعالية التي يمارسونها هؤلاء "الوحدويون" حتى مع مقربيهم ومادحيهم، بحيث صار بعض الظرفاء يقول: شكلك وحدوي والعياذ بالله.

لقد انطلت هذه الكذبة السمجة على كثير من البسطاء الجنوبيين أما ضحايا التضليل الإعلامي من الأشقاء الشماليين وهم الغالبية العظمى فنادراً ما أدرك نفرٌ منهم فحوى الصراع والمضمون الوطني والسياسي والتاريخي والإنساني للقضية الجنوبية، رغم أن غالبيتهم يعانون من الظلم والقمع والتنكيل والتهميش نفس ما يعانيه الجنوبيون وأحياناً أكثر.

وعودةً إلى موضوع الهبة الحضرمية فقد راهن شرعيو 1994م، وهم من يتحكم اليوم في شرعية الخارج وصناعة سساساتها، على انقسام المجتمع الجنوبي وبالتالي تقزيم الثورة الجنوبية وحصرها في المثلث الغربي قليل المساحة محدود الموارد والمزدحم بالسكان كما تصوروا لكن رهانهم خسر كما خابت الكثير من رهاناتهم السابقة المغشوشة.

حضرموت وهبَّتُها المباركة أربكت حسابات هؤلاء وأكدت أن الجنوب واحد وأنه لا يوجد جنوبيون مشاغبون وآخرون متهاونون أو طيعون، كما لا يوجد جنوبيون عصاة وآخرون قابلون للتطويع ومستسلمون للخنوع والاستكانة.

الهبة الحضرمية أربكت معادلات السياسة والاقتصاد والعسكرة والأمن وكل ما اتكأ عليه أساطين الغزو والاجتياح، وأكدت لكل هؤلاء وسواهم ممن لم يستوعبوا بعد كنه القضية الجنوبية وجوهرها ومطالب الشعب الجنوبي وتطلعاته أن الشعب الجنوبي واحد وأن المطالب واحدة وأن تخليص الجنوبيين من سياسات النهب والاستحواذ والعبث بالثروات لا يأتي بالمساومات ولا بالرشوات، بل من خلال الحل السياسي المتمثل بإنهاء الاحتلال واستعادة الجنوبيين لدولتهم التي ستكون وحدها صاحبة الحق في التوزيع العادل لمصادر الثروة بين أهلها وأبناء الأرض التي تنتجها .

لم يستطع إعلام إسطنبول وشركاؤه استيعاب اللحظة، وهو يقف حائرا إزاء هذه الهبة التي قلبت المعادلات رأسا على عقب، فالقائمون على هذا الإعلام وممولوه وراسمو سياساته لم يكونوا يتوقعون أن تأتي حضرموت بما يصدع رؤوسهم، وقد تفاجأوا بأن مئات الآلاف وربما فوق المليون مشارك من أبناء حضرموت ينخرطون في فعاليات الهبة الشعبية ولم يبق خارجها إلا الندرة النادرة المتخفية أو الهاربة من غضب الجماهير الحضرمية والجنوبية، أما وقد جرى ما جرى فإن هؤلاء محتاجون إلى أشهر حتى يعيدوا ترتيب خطواتهم وصوغ سياساتهم للتصدي للهبة الحضرمية وللشعب الجنوبي في حضرموت.

 وقد قرأت اليوم تغريدة لأحد الوجهاء (الشرعيين) النازحين القلة من أبناء حضرموت، يطالب فيها محافظ حضرموت بالانحياز إلى مصالح المواطنين الحضارم ويطالب هؤلاء المواطنين بالتمسك بحقوقهم، لكنه لم يجرؤ على الإفصاح عمن تستهدفه الهبة ومن الذي عبث بمصالح هؤلاء المواطنين لأنه يعرفهم ويعيش بينهم ولو أفصح عن أسمائهم أو حتى هوياتهم للاقى عقاباً لم يكن يتوقعه.