فكرت في أحد الأيام إن إذهب إلى ساحل صيرة، لتناول وجبة الغذاء في مخبازة صيرة الشهيرة، واستنشق رائحة البحر والسمك، فطرحت الفكرة على أحد زملائي الذي استضافني مشكورا في منزله عدة أيام ، كان ذلك الزميل أحد زملاء ذلك الزمن الجميل ، الذي كنا نحن وإياه سوى نصلي في المحراب ، ونتلوا ما تيسر لنا بصمت في صلاتنا . لكنه حاول إن يثنيني عن فكرتي لنتناول الغداء بمنزلة ، ولكني اصريت فاتجهنا أنا وزميلي واحد أولاده إلى ساحل صيرة في سيارة ولده الكيا الزرقاء اللون ، حيث انطلقنا من كورنيش ريمي ، تدتدغ تضاريس وجوهنا نسمات هواء الكورنيش العليل ، ووصلنا صيرة حوالي الساعة الحادية عشر ، ووجدت أنه قد تغير كل شي في صيرة ، لم تعد رائحة البحر هي رائحة البحر في ذلك الزمن الجميل ، ولم يعد ذلك السمك هو ذلك السمك ، ولم يعد الناس هم أولئك الناس الذي كانوا في ذلك الزمن الجميل . المكان مزدحم بالناس والعمران والمركبات دون تنظيم ، فنزلنا إلى حراج السمك ، وأخذنا حوتين من السمك الهامور تكفي أربعة بعد مساومات عديدة ، فاخذناها إلى مخبازة صيرة لطبخها . وهناك وجدنا الكثير من المساكين ، الذين يسألون الناس إعطائهم من فضل الله ، وأغلب هؤلاء الناس كانوا من فئة المهمشين ، وهناك وجدنا من يسألك أن تجعل المباشر يحضر له قرص خبز ، لياكله على ما تبقى من سمك من مائدة زبون غادر مكانه قبل برهة قصيرة ، وهناك من يهبط على مائدتك هبوط اضطراري ، دون أي مقدمات عدى التظاهر بأنه يعرفك . حينها كنت أكاد إن أموت حسرة تذكرت ذلك الزمن الجميل الذي حفظ كرامة كل إنسان بما في ذلك فئة المهمشين ذلك الزمن الذي لم ترى أحدا فيه يسأل أحدا حتى من المهمشين كان زميلي أثناء تناول وجبتنا يسألني هل تستطيع الصعود إلى قمة جبل صيرة فابتسمت قائلا له لم يعد لنا هناك من مكان يا صديقي في القمة أحمد الله أنهم سمحوا لنا أن نقف هنا على الساحل ولم يأخذونا إلى أعماق البحر ليجعلوا منا وجبة دسمة لاسماك القرش .