عندما انطلق الربيع العربي من المغرب العربي لم يكن باستطاعة أوباش الحكم في المنطقة أن يتصدوا لهذه الموجة العاتية التي مزقتهم أيما ممزق؛ وهو ما ساهم في توسيع الإطار الجغرافي لهذه النهضة العربية الحديثة التي كان الشباب وقودها وضامن استمرارها.
غير أن الأمر أختلف في بعض أجزاء هذا القطار الثوري ، ولا سيما في بلاد اليمن السعيد التي لم يحالفها الحظ لأن يكون لها نصيباً وافياً من اسمها الذي يأتي دوماً بعكس حالها وواقعها المعاش.
كانت اليمن عند انطلاق الربيع العربي في أمس الحاجة لتغيير حقيقي يزيل بكتيريا التخلف والظلم الذين بقي صفة تلازم كل نظام يمني يصل إلى سدة الحكم؛ ومن وسط الكبت والظلم الذي تعيشه اليمن وفي خضم التغيير الذي تشهده العديد من البلدان العربية نتيجة رياحها الثورية قام شباب جامعة صنعاء بمظاهرات كانت في بادي الأمر لا يتجاوز أعداد المشاركين فيها بضع المئات من الشبان الثائرين بصدق !
ومع مرور الوقت توسعت هذه الاحتجاجات وأرتقت إلى مستوى أنتفاضة شعبية عارمة شارك فيها كل فيئات المجتمع اليمني البسيط ، وحتى النساء اليمنيات اللواتي كن يضرب بهن مثل في المحافظة والالتزام داخل البيوت - وهنا أنا لا أتهم نساء اليمن بل بالعكس لكي أبين حجم مشاركتهن في هذه الثورة - كانت لهن بصمات مضية في هذه الانتفاضة الشعبية الشبابية البريئة.
ولما أن كبر أعداد أبناء اليمن الذين شاركوا في هذه الانتفاضة ، ولما صار خطرها محدق بكل الفسدة الذين كانوا جاثمون على صدور هذا الشعب المسكين وأؤلئك الذين لم يكونوا يرتبطوا بنظام الحكم سوى وجودهم تحت مسمى ( المعارضة)، وجلهم من الفسدة الذين قامت عليهم هذه الانتفاضة الشعبية.
لما وصلت هذه الانتفاضة إلى مربع الثورات العربية من حيث زخمها وقوتها ونشاطها لم يروق للفسدة الذين مازالوا يتآمرون على أبناء الشعب أن تنتصر هذه الثورة ! فقاموا بمحاولة ركوب هذه الثورة وإظهار أنفسهم على أنهم مع الشعب وأنهم قوماً مظلومون.
فركب الثورة الكثير من هؤلاءِ الفسدة المجرمين الذين يجب أن تعلق حبال المشنقة برؤوسهم بدلاً من تكريمهم وتمجيدهم والإشادة بهم ؛ فأنضم لهذه الثورة اللواء الفاسد علي محسن الأحمر وبقية أزلامه من العسكر الفسدة ، وكذلك الشيخ صادق الأحمر وحميد الأحمر واخوانه الفسدة الناهبون لخيرات البلاد والعباد ، بالإضافة إلى جمع غفير من هؤلاءِ الفسدة اللصوص الذين ينتمون لأحزاب اللقاء المشترك و الذين أرادوا بانضمامهم هذا الأختباء وراء هذه الثورة بغية عدم محاكمتهم والسعي وراء منحهم صكوك غفران من قبل هؤلاءِ الشباب الطيبين المساكين.
لقد استطاعوا هؤلاءِ الفسدة الذين هم جزأً لا يتجزأ من مصيبة اليمن ونكبتها ان يقوموا بأحتواء هذه الثورة وتفريغها من محتواها ومضمونها الصادق وذلك عندما صاروا قادة لهذه الثورة ومتحدثون باسمها ! بل غدا البعض منهم راعي ذهبي لكثير من سحات التغيير مما منحه القدرة على استهواء واستمالة قادة هذه الثورة من الشباب ولا سيما الشباب الذين يتبعون سياسياً حزب الإصلاح ؟!
عندما تسلقوا لصوص الثورة على ظهور أبناء شعبهم وراحوا يتفاوضون باسمهم لم يكن هناك خيار أمام هذا الشعب المسكين الذي يحتكم لثور إلى أن يبقى خاضعاً لإرادة هؤلاءِ المتنفذين ! وكان باستطاعته حينها أن يرفضهم ويلفظهم ويدوس بأقدامه على رؤوسهم الخبيثة ! إلا أنه مال لهؤلاءِ القوم وصدق حكايتهم في أنهم أردوا حقاً التصحيح والتغيير الإيجابي.
فأضحوا قادة الثورة الحقيقيين خلف قضبان الزنازين ، وبات اللصوص هم من يقود الثورة . فجاءت مبادرة عندئذ بعد أن أيقن الرفاق أن الأمور أصبحت مهيئة تماماً للأنقضاض على هذه الثورة ونسفها نسفاً .
فدخلت على الخط مبادرة سميت بالخليجية غير أن دوافعها ومضامينها تفوح منها روائح أمريكية بأمتياز ! وصارت التجاذبات والتمثيلية السياسية التي أتت تحت رفض الأحزاب وقبول الرئيس ، وقبول الرئيس ورفض الأحزاب ! من أجل إيهام أبناء الشعب الثائرون أن هذه الأحزاب في صفهم وأنها لن تقبل بشيء يمس كرامتهم وحياتهم ويخدش مطالبهم العادلة.
وفي هذا الوقت لم يتوقف نزيف الدم اليمني في رسالة واضحة بأن أطراف النزاع السياسي أتفقوا على قتل الشعب وأختلفوا على تقسيم السلطة التي يرونها مثل الكعك المغطى بالعسل !
عند ذلك أنتُزع القرار من يد الشعب وصار بيد الحلفاء على الشعب ، فأتفقوا في نهاية المطاف على بنود المبادرة ( الخليجية )، وأعطوا للقاتل الحصانة القانونية والقضائية كونهم كلهم قتلة ومساهمين في تضييع هذا الشعب وفقدانه هيبته ومكانته بين الشعوب .
وتمت عملية سرقة الثورة على أحسن حال، فاطلقوا في نهاية الأمر رصاصة الرحمة على هذه الثورة من خلال سجنهم لشباب الثورة وعدم الإفراج عنهم لكي ينهوا حياة هذه الثورة التي ولدت بريئة صادقة يتيمة غير مصابة بعاهة ، وينهوا معها أمآل أؤلئك المقهورين والمظلومين وطموح الشباب الثائرين وأؤلئك المقتلوين الذين قدموا دمائهم وأرواحهم من أجل هذا الشعب الذي لم تعد له مكانة بين الدول ! هذا الشعب الذي بات في زوايا الجهل والظلم مبؤسا .
تباً لكم أيها المتاجرون بدماء شعبكم ، سحقاً لكم يا خونة دماء القتلى والجرحى . تباً لكل لصوص الثورة تباً لكل ، تباً لكل أوباش العرب .
عبدالجبار عوض الجريري
اليمن - حضرموت - طالب بقسم الإعلام .