يعلم الجميع أن اتفاق الرياض جاء من أجل حقن دماء الجنوبيين الذين دفع بهم أعداء الجنوب لخوض مواجهة لا معنى لها ولا هدف إلا ما يخدم مصالح هؤلاء الأعداء، وهو (أي الاتفاق) لم يتعرض للقضية الجنوبية لا من قريب ولا من بعيد، ليس نكرانا للقضية، لكن لأن رعاة الاتفاق من الشقيقتين السعودية والإمارات، كانوا حريصين على توحيد صف شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وعدم الخوض في ما يختلف فيه هؤلاء.
لن نخوض كثيرا في مواقف القوى المتشددة المتحلقة حول شرعية الرئيس هادي من قضية الجنوب، فأثرياء حرب 1994م على الجنوب ممن تحولوا في أشهر من باعة متجولين إلى مليارديرات على حساب ثروات الجنوب وما يزالون يواصلون نهب هذه الثروات والعبث بها لن يقبلوا حتى الاعتذار عما ألحقوه بالجنوب من جرائم ودمار ومن فتوى قتل النساء والأطفال، وبيننا وبينهم في هذه القضية ما بين المشرق والمغرب.
وما لا بد أن يعلمه من لم يعلم بعد أن كل خطابات وتصريحات ومقابلات وكتابات ومنشورات وتغريدات قادة المجلس الانتقالي وناشطيه السياسيين والإعلاميين ومعهم غالبية الشعب الجنوبي، تؤكد التمسك بالحق الجنوبي حتى استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على كل أرض الجنوب بحدود 21 مايو 1990م، وهذا الكلام ليس سرا ولا حذلقة كلامية ولا تعبيرات مجازية، بل هو حقيقة أعلنَّاها مرارا ونعلنها نهارا جهارا للأشقاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.
عندما يقول الجنوبيون إنهم يناضلون من أجل استعادة دولة الجنوب، فإن هذا يعني وبصورة أوتوماتيكية استعادة الشماليين للدولة الشمالية أيضاً، لكن بعض القادة الشماليين في الشرعية لا يريدون لا دولتهم ولا أرضهم، ويصرون على أن الجنوب هو أرضهم ودولتهم، ويسلمون الأرض والمدن والأسلحة وكل مقدرات دولة الشمال للحوثي، رغم ادعائهم أنهم يحاربونه.
ويبقى الأمر بيد الجنوبيين أنفسهم، والسؤال المحوري هو:
هل سيتقن الجنوبيون اقتناص الفرص وإدارة اختلافاتهم بمهارة وحرص على مصالح الشعب الجنوبي بكل أطيافه؟
من المؤكد أن موقف الجنوبيين ليس واحدا إزاء القضية الجنوبية، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن يتصارع الجنوبيون نيابة عن أعدائهم.
هناك طرف جنوبي متمسك باليمن الاتحادي الذي صار تحقيقه مستحيلاً في ظل الأوراق المختلطة والمعادلات المختلة في الشمال أكثر من الجنوب.
وهناك طرف يتمسك بمبدأ استعادة دولة الجنوب بحدود العام 1990م بعد أن فشلت تجربة الوحدة مع الشمال وتعرض الجنوب للغزو والاجتياح والتدمير والنهب.
وعلى بقية المكونات الجنوبية أن تختار أي من الموقفين أو أن تقدم ما لديها من خيارات تخدم قضية ومصلحة الشعب الجنوبي، وهذا حق كل طرف وكل مكون وكل شخص، لكن ما ليس من حق أي طرف مهما كانت مكانته هو اللجوء إلى القوة لإجبار الآخرين على تبني موقفه السياسي، والأكثر من هذا أن يستعين بأعداء كل الجنوب من أجل تحقيق أي فوز حقيقي أو وهمي بواسطة هؤلاء الأعداء.
ومن لم يتعظ من تجارب الأمس القريب فعليه مراجعة قصة "القط العجوز والكلاب"*.
* تقول القصة إن قطا عجوزا تخلص منه قومه لأنه أصبح عالة عليهم، فقرر أن يستعين بالكلاب بعد أن كشف لها مخبأ القطط، هجمت الكلاب على القطط وشردتها خارج المخبأ فانتشى القط العجوز عائدا إلى بيت القطط لكن كبير الكلاب وقف له عند الباب قائلا:
ليس لك حق في هذا البيت، فلو كنت نافعا لما طردك أهلك، ولو كنت قويا لما لجأت إلينا، ولو كنت أمينا لما خنت أصحابك، أما الكلاب فلا تقيم جمعيات خيرية.