انشغل الوسط السياسي والإعلامي (الرسمي والشعبي) بقضية تشكيل حكومة الكفاءات اليمنية التي نص عليها اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي منذ عامٍ خلا، وأخذ موضوع تقاسم الوزارات المساحة الأكبر في نشاط المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ونسي الجميع المواجهات مع الطرف الانقلابي ومعاناة المواطنين جراء غياب الخدمات وتأخر صرف المرتبات وأعمال التخريب والتهريب وسواها، حتى بدا الأمر وكأن تقاسم المناصب وتوزيع الحصص هو العصا السحرية التي ستحل كل مشاكل البلد وتقيحاتها المتفجرة وأزماتها المتشعبة بضربة لازب، أو كأن الكيان السياسي الذي سيظفر بحصة أكثر من سواه من هذه الوزارات سيفوز بمنجم الذهب والألماز لينعم به هو وأعضاؤه، وهي ظاهرة تشير إلى مستوى تسطيح الوعي وانحدار مستوى الاهتمام بالقضايا الجادة والمصيرية مقابل التركيز على قشور القضايا وسطحياتها، والأخطر من هذا أن هذا الصخب الإعلامي يبين مستوى تهافت القوى السياسية على المناصب والألقاب من منطلق الاستحواذ لا من منطلق الرغبة في تحمل المسؤولية وتهيب تحدياتها والخوف من المساءلة والمحاسبة، لا من قبل الشعب الذي سيتحمل الوزراء المسؤولية عن مصيره، ولا من قبل أجهزة النيابة والمراقبة والمحاسبة (المغيبة) التي يفترض أنها حامية الحق العام وحارسة القانون والحريص على تنفيذه.
* * *
بدأ الصخب والتباكي وبدأ التباهي والتفاخر، وبدأ التنابز والتهكم من قبل الكثيرين وقد قرأت منشورا لطبيب يمني مغترب محسوب على أحد أطراف السلطة المهيمنة على الشرعية، يتباكى على حزبه ومصيره بعد تشكيل الحكومة ويتهم الرئيس بأنه باع الحزب وأسلم مصيره للمجهول، فقط لأن حصة الحزب في الحكومة ستنخفض إلى أقل مما كانت عليه قبل التشكيل المفترض لحكومة الكفاءات، وصحفي آخر راح يلعن المجلس الانتقالي (الذي أسماه بـ"الانفصاليين") لأنه حرم الجنوب من 80% من الوزراء كان الجنوب يحوزهم قبل اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة المرتقب، وكأن هذا العدد من الوزراء قد وضع الجنوب على أبواب الفردوس وجاء (الانفصاليون) ليحرموا الحنوب من الولوج إلى هذا الفردوس.
* * *
سألني أحد الإعلاميين من هواة التشفي وتفخيخ التساؤلات: هل ضحى الشعب الجنوبي بهذا العدد من الشهداء وخاض كل هذه النضالات على مدى ربع قرن، من أجل أن تحصلوا على أربع أو ست وزارت؟ وهل بعتم القضية الجنوبية مقابل هذه الستة المناصب؟
كنت أعرف أن السائل يعرف الحقيقة وأنه يتعمد تسطيح القضية التي يناقشها، لكنني قلت له ما كررته مئات المرات منذ العام 207م، إن ثورة الشعب الجنوبي لم تكن من أجل رئيس جنوبي أو نصف الوزراء من الجنوبيين ولا حتى كل الوزراء من الجنوبيين، فما بالنا والأمر يتعلق بستة وزراء أو حتى أثني عشر وزيرا جنوبياً.
ومن أجل إزالة الغبار والضباب الذي يثيره البعض تعمداً لتشويه قضية الجنوب ومعها تشويه موقف المجلس الانتقالي الجنوبي في ظل اتفاق الرياض لا بد من تأكيد الحقائق التالية التي سبق التعرض لبعضها عشرات المرات:
وباختصار شديد فإن كل التكتيكات والتحالفات والاتفاقات والشراكات في أية مشاريع في إطار التحالف العربي، لا يمكن أن تلغي القضية الجنوبية ولا أن تحل محل هدف الجنوبيين المعلن للقاصي والداني والمتمثل في استعادة دولتهم وتقرير مصيرهم المستقبلي بلا وصاية من أحد ولا تبعية لأحد ولا استئذان من أحد إلا من الشعب الجنوبي وحده صاحب الشأن والقرار في كل ما يتعلق بمستقبل أجياله المتطلعة للحرية والكرامة والاستقرار والازدهار واللحاق بعالم اليوم بكل قيمة الإنسانية النبيلة ومنجزاته العلمية والتكنولوجية والمعاشية.