الوحدة بين شعبين هدفها التنمية ونهضة الشعب، وتحسين المستوى المعيشي لكل افراد الشعب ،وليست وحدة من أجل أشخاص وعصابات يتاجرون بالشعارات ويزورون وعى الناس باسم قييم الوحدة الوطنية السامية ,لتصبح الوحدة لأجل أن تقوم أسرة أو قبيلة أو عشيرة بنهب ثروة شعب أعزل من السلاح ،وتسخير كل امكانياته لمصالحهم الذاتية والأسرية أو الطائفية أو الحزبية .... وقد ساق لنا الشاعر العربي أبو القاسم الشابي قصيدة فلسفية فيها الكثير من العبر والعظة، تصور من يفلسف ابتلاع الأخرين باسم القييم العظيمة ليلغية من الوجود ويبتلعه باسم تلك القييم
وهذه هي فلسفة الثعبان المقدس التي صورها لنا الشابي في قصيدته الرائعة، فقدرأى الثعبان الشحرور-وهو طائر جميل في غنائه- يتغنى ويتنقل في الغاب بسعادة وهناء، فتضايق الثعبان من سعادته وأراد أن يبتلعه ، ولكي يقنعه بقدسية ابتلاعه ، أوجد فلسفته لاقناعه أنه مقدس وابتلاعه ستجعله مقدس مثله ، فأرجو أن تقرأوا القصيدة ، بما فيها من جمال أدبي وروعة في التعابيير والصور وأن تدركوا مغزاها؛ ففيها إجابة فلسفية لمدعي حُبَّ الوحدة والتمسك بها،ليس من أجل العدالة والتنمية والمساواة؛ولكن من أجل النهب للثروة وإلغاء الأخر من الوجود فإلى القصيدة :
فلسفة الثعبان المقدس
أبو القاسم الشابي
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً
غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ
ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه
قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكون من طهرِ الحياة كأنما
هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً
للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ
سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه
ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه
سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح من هول القضا
متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً:
«ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، إلا أنني متغزلٌ
بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً
وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟!
أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا
رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ
عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها
حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ
والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى
وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ
وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني
أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ الثلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى
جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها
شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى
ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ
فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها
يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً،
قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي
فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً
في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي
وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً
في روحي الباقي على الأحقابِ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه
أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى
والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا رأي للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ،
الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها
وارحم جلالَكَ من سماع خطابي"
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً
عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ