كل الرفض والمقاومة دائما ما يأتيان في اتجاه الاتحاد العام داخل المجتمع وتظهر قوة التماسك الذي يخفيه المجتمع في معظم الوقت، لكنه يتقدم الموقف حين تأتي اللحظة التي صنعتها المقدرات والتضحيات والإنسانية بما لايدع للتذبذب أن يتسرب والتراجع أن يسيطر.. هنا القيمة التي تجعل من الهبة إطارا واسعا دفع بكل القوى المتحدة داخل حضرموت إلى بلورة موقف كبير وعظيم هو امتداد لكل المنجزات السابقة الشعبية التي صاغت الشكل والموضوع الحضرمي على مدى أجيال وجعلته في أفئدتنا بكل قيمته المدنية والقبلية والاجتماعية.
وحين نتحدث عن مفهوم الهبة الشعبية واستشهاد الشيخ المقدم سعد بن حبريش وكل شهدائها ممن سقطوا فداء لحضرموت، فإن أغلى قيمة لهذه التضحية الجليلة هو منع تقسيم ونهب حضرموت. الهبة الحضرمية هي جدار سميك وغليظ لا يخترقه المرجفون ولا يتكسر تحت أية ظروف.. لأن سقوط مشروع تآمري كبير ضد حضرموت هو بالمعنى الأوسع نجاح للحضارم انتظرناه زمنا طويلا حتى نكتبه بدم ودموع وعرق ونسجله في قائمة التاريخ ثم نفخر به، لأننا حين أردنا أن نلتقي والعزة والكرامة والتاريخ كان لنا هذا ليس لمجرد أن الزمن عطف بهذا بقدرما كانت التضحيات هي التي أرغمت التاريخ أن يكتب كلمته بصدق ودون انتقاص، لأن مجد اللحظة التي جسدت الهدف للهبة الشعبية والرفض، كان هذا المجد غاليا وحقيقيا وهبناه نحن لأنفسنا حتى نتمكن من المواكبة وفك ودك الأسوار والتبعية والظلم والسيطرة على مقدراتنا وحقوقنا وتحويلنا إلى تابعين وأذلاء نطيع ونسكت.
كنا على موعد ونقطة التقاء كبرى هي أننا قد حسمنا أمرنا وبأيدينا زمام الأمور، نحن نتخلص من كل ظواهر الذل ونرفع الرأس كما رفعها الشهيد سعد بن حبريش وارتفع شهيدا جليلا وفيا لأهله وأرضه وتاريخه، رحمه الله.
نحن اليوم تجاوزنا خطر التقسيم لما فرضته الهبة الشعبية من حقائق وحقوق واقعية تظهر أن حضرموت وشبابها وأبنائها وقبائلها قد تقدمت خطوات وجعلت التاريخ يحفر في جداره أن الأمة الحضرمية اتحدت وأصدقت نفسها وهبت ونهضت وضحت وأكملت مشوارها بكل ما فيه من عظمة وإجلال ومعاصرة.. نحن اليوم في حضرة المستقبل ولن يطمرنا غبار، بل قطارنا سار.. وسار.. عاشت الهبة الحضرمية الشعبية، عاشت حضرموت، والرحمة للشهداء.