لكل أمة تاريخها وماضيها الذي تفخر به وتدرسه لأجيالها المتعاقبة لتستلهم منه الدروس والعبر وتصنع منه جسورا لتسير عليها الى المستقبل المشرق لتبني أمم حية تفخر بحاضرها ومستقبلها . وتتجاوز كل مافي الماضي من جراح ومآسي وتتناساه حتى لا ينغص عليها حاضرها.
والماضي لن يكون كله جيدا وجميلا ولكن حتما سيكون فيه الجميل والقبيح .
الأمم الناضجة والحية تأخذ الجميل لتبني به مجدا وحضارة وتترك القبيح لكي لا يؤثر على تقدمها ورقيها .
اما الأمم الميته فإنها تعيش على الماضي فقط تفاخر بالجميل وتتعامل بالقبيح تتذكر الاحقاد والإحن التي قد ذهبت وذهب اصحابها وتعطي لهذا الماضي استمرارية وديمومة ليسجل تاريخها قبحا وتخلفا وجهلا ..
وتظل تبكي على الاطلال لا تراوح مكانها في ذيل قائة الأمم ان كان لها اسم في تلك القائمة !.
أما الأمم التي نفضت عنها غبار الماضي وصنعت على انقاضة حاضرا مزدهرا تراها اليوم تتربع على عرش الحاضر , وتستعد لتحافظ على موقعها في المستقبل .
من هذه المقدمة نستخلص الآتي :
_ أن احقادنا البينية هي التي تعرقل تقدمنا وتقف حجر عثرة في طريق نهضتنا , وهذه الاحقاد مستمدة من ماضينا القريب والبعيد التي توارثناها جيل بعد جيل .
_ قل الوعي الجمعي وانعدام ثقافة التسامح مع الآخر والعودة الى نبش الماضي كلما اختلفنا حتى وان كان الخلاف لايستحق .
.. وهذ الواقع يعتبر حالة عامة عند العرب ومنها واقعنا في الجنوب كمثال :
منذ خروج بريطانيا من عدن عام 1967م عاش الجنوب في فوضى عارمة ولا زلنا نتلمس طريق الخلاص منها ونسيان مآسيها وفضائعها دون جدوى لأننا نستدعي الماضي حتى في خلافاتنا البسيطة.
في 13يناير 2006م انبثق بصيص امل عندما اعلن مبدأ التصالح والتسامح بين الجنوبيين لمواجهة الاوضاع المستجدة بعد 94م .
لكن هذا المبدأ للاسف ظل حبرا على ورق وشعار يرفع متى ما احتاجوا اليه ولم يطبق عمليا .
من هنا نقول : اذا كنا جادين في التصالح والتسامح واردنا أن نبني وطنا آمنا علينا أن ننبذ الماضي ولا نلتفت اليه إلا لنأخذ منه العبرة .
علينا أن ننسى الماضي وننظر الى المستقبل لان الماضي مضى هو واهله ان شرا فشر وإن خيرا فخيرا لن يرجعوا ولن يعود الماضي ويجب الا نظل مشدودين اليه بل نتركه وراء ظهورنا ونمضي قدما .
ان التسامح والتصالح مبدأ سامي سارت عليه أمم قبلنا وطبقته ونجحت في تحقيق التقدم والرقي.. فلننظر الى اوروبا كيف كانت متناحرة وكيف اصبحت اليوم لانها تخلت عن الماضي باحقادة وسارت الى الأمام بالأمل والحياة.
ان تطبيق التصالح والتسامح يجب ان يبدأ خطوة خطوة اولا : التصالح مع النفس واجبارها على نسيان الماضي والتعايش مع الحاضر .
وثانيا : قبول الاخر وعدم محاسبته بافعال من سبقوا وماتوا او وصلوا الى ارذل العمر.. من مات الله حسيبه ومن لم يمت الله وكيله.. فلنمض معا جنبا الى جنب من اجل بلادنا واجيالنا القادمة .
لم تصل الأمم الى ماوصلت اليه من تقدم الا بتجاوز مآسي الماضي ونسيان فضائعة ولنكن مثلهم ونقول لبعضنا كما قال الله عز وجل ( تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ماكسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) .
وقال ( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) .فلماذا نظل نحاسب ابناء واحفاد من أساءوا في الماضي وماذنبهم ؟
اذا كنا جادين في المضي قدما لنلحق بالأمم التي سبقتنا علينا الا نلتفت الى الماضي ونتطلع للمستقبل لنستعيد بناء صرح أمة كانت حاضرة الدنيا في الزمن الغابر.