القضية الجنوبية .. هل هي قضية وطنية أم سياسية ؟

2018-12-12 20:05

 

.. يتردد مصطلح القضية الجنوبية كثيرا في وسائل الاعلام المختلفة واللقاءات الرسمية وحتى في المجالس العادية . وفي الجنوب يتناقلها الجميع المثقف والأمي كتعريف لمطالب الجنوبيين بفك الارتباط والاستقلال والخروج من الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية .. ولكن هذا المصطلح (القضية) ينطوي على معاني متعددة ويهمنا هنا إجابة هذا السؤال :

هل القضية الجنوبية قضية وطنية أم قضية سياسية ؟.

ولأن معنى القضية الوطنية يختلف كليا عن معنى القضية السياسية !

فإن القضية الوطنية هي  قضية هوية ومصير وثقافة وجغرافيا .. وهذه لا يمكن حلها الا بالحصول على حق تقرير المصير والاستقلال الكامل .

اما القضية السياسية فإنها تعني اشكال وخلاف سياسي بين مكونات واحزاب سياسية تتنافس على السلطة وحلها يكون بتسوية سياسية تضمن حقوق تلك الاحزاب والتيارات المختلفة في اطار واحد وسلطة واحدة ودولة واحدة .

 

ومن هذا التعريف البسيط نجد الفرق الشاسع بين معنى (القضية الوطنية والقضية السياسية) !!

وبموجب كل المعايير والتعريفات فإن القضية الجنوبية هي قضية وطنية بإمتياز .. الجنوبيون لايطالبون بنصيب في السلطة او المناصب او الثروة او الوظيفة بل يطالبون بوطن والبعض منهم يذهب بعيدا بحيث يحتج بهوية مستقلة ايضا . فقد كانت لهم دولة سادت ثم بادت بجرة قلم في ظلمة نفق لم يخرج منه الجنوب الى اليوم .

ولو أنها قضية سياسية لسهل حلها بتقاسم المناصب والوزارات والموارد الاقتصادية .

 لكنها قضية وطن لذلك  استعصى حلها على الفرقاء في الساحة اليمنية فيما بينهم بسبب عدم استيعاب الطرف الآخر اليمني في صنعاء ماهية هذه المطالب ويرى انها مطالب حقوقية ولاتخرج عن هذا الإطار وبإمكانكم منح الجنوبيين نصف الحكومة وينتهي الأمر ! ولكن هذا ينافي الواقع  وهذه البضاعة التي يسوقونها لم تعد ذات قيمة وقد كسد سوقها .

 

ان تمسك القوى السياسية والشعبوية اليمنية بالوحدة ومحاولة اعادة فرضها بالقوة تعتمد بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي والنظر للجنوب بانه مجرد مورد وفيد وسوق للعمل وليس حبا في الجنوب وشعبه ولا في الوحدة بحد ذاتها .

ومرد هذا الطمع الى ثقافة الفيد والاستحواذ التي توارثتها اجيال المركز المقدس التي لاترى بقية اليمنيين الا أتباع .

وقد استولت تلك الفئة على كافة موارد البلاد الطبيعية في باطن الارض وعلى ظهرها واصبح بموجب تلك الثقافة كبار الفاسدين واللصوص متسلطين على الشجر والحجر والبشر في الجمهورية العربية اليمنية السابقة.

 

نحن هنا نبين معنى ومضمون قضية الجنوب التي يتبناها معظم الجنوبيين ان لم يكن جميعهم . والتي يحاول البعض ان يجعلها قضية مطلبية سياسية نتجت عن تهميش وإقصاء للجنوبيين من الوظيفة العامة في السلك العسكري والمدني .. ولكن الحقيقة خلاف ذلك وعلى الطرف الآخر فهم هذا الواقع كماهو  والتعايش معه والعمل على بدء صفحة جديدة من التعامل بين الجنوب والشمال وطي صفحة الماضي التي عانى منها الجميع بسبب تعنت ودكتاتورية النظام السابق المغتر بقوته العسكرية التي اصبحت فيما بعد وبالا عليه .

 

ومن الحكمة اليوم طرح القضية الجنوبية في الإطار الصحيح كقضية وطنية أساسية في اي حل شامل في اليمن . لأن استبعادها من المفاوضات بين الفرقاء لن يؤدي إلا الى مزيد من التعقيد واطالة الصراع . ولن يقبل الجنوبيين فرض تسوية لا ترضيهم مهما كانت الظروف ولن يقبلوا الوصاية من اي طرف خارجي او داخلي على قضيتهم الوطنية .

 

كما أن على الأمم المتحدة والعالم أجمع ان يدركوا ان كل جنوبي يعي تماما أن قضيته هي قضية وطنية لن تحلها الوعود بتقاسم سلطة او موارد ولن يقبل غير حقه المشروع في تقرير مصيره بنفسه دون وصاية من احد .

فهل تجد هذه العبارة آذان صاغية او قلوب واعية ؟

نتمنى ذلك .