عدن بين البحر واليابسة

2018-07-31 13:58

 

في صيف عام 1966 خرجنا مجموعة من طلاب ثانوية خورمكسر بعدن إلى ميناء البواخر بالتواهي نودع أستاذ الادب الانجليزي بالمدرسة آنذاك السيد " ماكايفر" وهو أسكتلندي الأصل، ونقل الى عدن من "فيجي آيلند" قبل ذلك بعامين .

منذ وصوله إلى عدن والمظاهرات والإضرابات العمالية والطلابية لا تتوقف ، وكانت الثورة تتصاعد في صور عدة من الاعمال السياسية والشعبية والعسكرية.

 

تعرض ذات صباح وهو في طريقه الى المدرسة لشغب من قبل بعض المتظاهرين ،  تحطم بسببه الزجاج الأمامي لسيارته.

جاء بعد الحادث إلى المدرسة ، وهو بشخصيته ذات الهيئة العسكرية ، وكان متماسكاً  ، وأخذ يمسح بمنديله بقايا الدم الذي كان يسيل من جرح فوق حاجب عينه اليسرى . هرعنا إليه نسأله عما حدث . تبسم وقال : كان علي أن أقوم بدور أحدب نوتردام لأتجنب الحادث ، ما حدث لي ليس له علاقة بالثورة ولكنه على علاقة بالشخصية التي ظهرت بها أمام  المتظاهرين .. رأوني في شخصية محتل ، وكا يفترض أن أجعلهم يروني في صورة مدرس أو معاق " . كان يضحك ، ويمسح الدم من على جبينه ، وكنا في غاية الاحراج .

 

بعدها بشهر جاء وقت رحيله ، كان ذلك قبل عام من الاستقلال  ، فقد سرعت الحادثة موعد مغادرته عدن ضمن القوائم المعدة للسفر لأسباب أمنية . خرجنا الى الميناء الذي سيستقل منه الباخرة لتوديعه .

في لحظة التوديع قال كلاماً كثيرا في وصف عدن وعن مشاعره .

 

كانت هناك باخرة ضخمة تحمل سواحاً في طريقهم إلى استراليا قد رست على الفور في الميناء ، وأخذ السواح ينزلون منها إلى القوارب التي تقلهم إلى الرصيف في مشهد تزين فيه البحر بألوان الملابس التي كان يرتديها السواح والقبعات التي يعتمرونها .

نظر الاستاذ "ماكايفر " إلى السفينة وما أحاط بها من منظر وقال : كل ما أتمناه هو أن علاقة عدن بالبحر لا تخربها علاقتها باليابسة " .

لم نفهم يومها هذه العبارة .. لكن بعد سنوات طويلة أدركت  المعنى الذي قصده ذلك الاستاذ الطيب وكيف تغلبت اليابسة  لتذهب بعدن بعيداً عن عذوبة البحر .