ترددت كثيرا قبل تحبير هذه السطور لان الرجل الان غادر الدنيا لكنني فضلت ان اكتب لادراكي ان الرجل انتهى جسد وسلطه وبقيت الثقافه المدمره التي زرعها وتعهدها بالرعايه واثمرت اشواك سامه في حياتنا .. وان هناك الاف مؤلفه من خريجي مدرسة الفساد ينتشرون في حياتنا ولا يريدون مغادرة حقبة علي عبدالله صالح السوداء ..
وبعد :
في اواسط يوليو1978 وصل علي عبدالله صالح الى كرسي السلطه وكل الظواهر السلبيه المعيقه للتقدم في شمال اليمن في حجمها الطبيعي المعقول والمتسق مع الظروف التاريخيه والواقع .... من الفساد الى المشائخ الى حضور الدوله وغيرها من الظواهر والمعوقات كانت القوى الوطنيه وفي طليعتها قوى اليسار اليمني لاتشعر بالمستحيل في ازالتها وان كانت تدرك الصعوبات لظروف ثقافيه تاريخيه تراكميه .
كان ابناء الشمال يومها لايزالون يعيشون نشوة حلمهم الكبير المتجسد في شخص الشهيد (ابراهيم الحمدي ) رغم مضي قرابة عام على رحيله لكن تفاصيل الحلم يومها كانت امامهم واضحه ومتجسده في عدم قدرة ابن الاحمر تجاوز نقطة الازرقين نحو صنعاء ولو بشخصه وكان وصوله الى الرياض يومها اسهل من وصوله الى صنعاء .. وكانت البيوت الاقطاعيه الكبيره ومشائخها كعائلة الشائف وال ابو لحوم وغيرهم من المشائخ لايتجاوز تاثيرهم مناطق نفوذهم القبليه في الارياف ولم يكن هؤلاء يعرفون ظاهرة المواكب ولا يعيشون الترف والثراء الفاحش .. كل شي كان بحجمه الطبيعي .
الاقتصاد كان ايضا معقول لناحية قيمة الريال .. يومها كان الدولار الواحد يساوي خمسه ريال يمني واهم من ذلك لم تكن ظاهرة التسول ظاهره للعيان او متفشيه ولم يكن احد يبحث عن بقايا الخبز في حاويات القمامه بالمطلق .. نفقات الدوله ومصاريفها كانت ايضا معقوله ومتواضعه ومتناسبه مع الواقع وكان من الصعب على أي مسؤل الحصول على عشره الف ريال من خزينة الدوله دون مشقة الحصول على موافقة جهات كثيره .. وهــذه الصعوبه النظاميه والقانونيه جعلت علي عبدالله صالح قبل وصوله للكرسي بايام يستدين اكثر من ثلاثه مليون ريال من احد رجال الاعمال كقرض بفوائد ماديه ومعنويه مضاعفه لينفقها على قيادات عسكريه وقبليه كبيره لاقناعهم بالوقوف معه للوصول الى الكرسي .. ونفس هذه المعضله (القوانين والانظمه ) كانت هي العقده التي لازمت علي عبدالله صالح وجعلته يدوس عليها ويدعو المتحلقين حوله الى حفلات التبول والبصق على الانظمه والقوانين بسلوكيات كثيره يعرفها شرفاء اليمن والغيورين عليه .
بحسب الاعراف المتبعه السائده يومها في صنعاء وعواصم الجمهوريات العسكريه فان القائد العام للجيش هو الرئيس وبعد موته يحل محله رئيس هيئة الاركان .. يومها كان رئيس الاركان في صنعاء هو المقدم علي صالح الشيبه وكان من المفروض ان يحل محل الغشمي لكنه بعد يومين اوثلاث التزم الجلوس في بيته واتضح في مابعد ان علي صالح ارسل له رساله تحوي طلقة رصاص ومبلغ كبيرمن المال كما ارسل نفس الرساله لغيره من القاده العسكريين .. من هنا بدأ الرقص على رؤوس الثعابين .
بحسب احاديث صحفيه منشوره على لسنان ابو لحوم فان علي عبدالله صالح يوم 24 يونيو 1978ذهب الى ابن الاحمر واجتمع به ورتب معه وصوله الى الكرسي قبل ان يتم دفن جثمان احمد حسين الغشمي كونه ضابط شبه مغمور سياسيا يومها .. وبعد يومين من دفن الغشمي كما يقول سنان ابو لحوم : وجدته في مكتب القائد العام يتصرف وكانه هو القائد فقلت ماهــذا فقال : بايعني ياعم سنان ويضيف ابو لحوم : خرجت الى ابن الاحمر فاخبرته فقال لي : علي عبدالله اجتمع بي وطلب الرئاسه ولو لشهر حتى ينتقم للغشمي وما عندي مانع مادام من حاشد .. من هنا كانت نظرية (شيخ الرئيس ورئيس الشيخ )
بالمراوغة والفساد ولافساد والترهيب والترغيب بدأ علي صالح اولى خطوات حكمه التي استمرت ثلث قرن على هــذا المنهج ..وخلال هذه السنوات الطوال عمل علي عبدالله صالح بنشاط على استنساخ الاف المشائخ حتى غدو كالفطر السام وجذب الكثير منهم للاقامة والبقاء في صنعاء من خلال الاغداق عليهم بالمناصب والاموال وهـؤلاء نسجو لهم وله اتباع وموالين في كل مدينه وقريه في اليمن بشكل سرطاني مخيف وبنفس منهج الافساد والفساد وشراء الذمم .
التفت علي عبدالله صالح الى الحياة السياسيه فتمكن من محو عناوينها المدنيه العصريه وافراغ مضامينها الثقافيه والفكريه لصالح التسطيح والتجهيل وقبيلة الحياة السياسيه وعسكرتها من خلال فرض المشائخ والرموز القبليه على الحياة السياسيه والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وللفائده وجبت الاشاره هنا الى انه قبل عهد علي صالح لم يكن لقب (شيخ) متواجد في قوائم الهياكل التنظيميه للتنظيمات والاحزاب والنقابات والاتحادات وكان الاشخاص المشائخ المتنورين الميالين الى الحياة السياسيه المدنيه يتخلون طوعا عن القابهم القبليه ومالها وماعليها وكان المتمسكين بها بعيدين عن المكونات السياسيه والمدنيه مكتفين بمكوناتهم القبليه ..
وهكذا كان في الحياة العسكريه .. لم يعرف القاده العسكريين الترف والثروات الفاحشه الا في عهد صالح .. وهكذا استطاع علي عبدالله صالح تخدير ثعابينه وانتزاع لنفسه ترياق من سمومها وجمعها في جرابه المليء بالمال والمناصب ليخرجها من حين الى اخر لتسميم الحياة ولدغ الوطنيين لدغات قاتله كما حدث اواخر ديسمبر 2002 للشهيد جارالله عمر ولغيره من المئات من كوادر الجنوب واحرار الشمال من قبل .
وصل اليمن واليمنيين مع علي صالح الى العام 2009 وصالح في قمة اوهامه وظنونه انه يحكم بالرقص على رؤوس الثعابين وان خصومه اوراق او كروت يلعب بها كما قال لاحد القنوات التلفزيونيه يومها وهــذا صحيح الى حدا ما بشكل نسبي بسيط انما بالنسبة لصالح كان الوهم يتجلى له في صورة حقيقه بينما كانت الحقيقة الخطيره تظهر بعض تجلياتها في مكان اخر حيث كان صالح يحاول اصطياد ثعابين جبليه خطره ليضمها الى جرابه وقد تمكن لكنه لم يتمكن من نزع سمومها قبل ان يراقصها ويرقص الرقصه الاخيره القاتله يوم يو 2ديسمبر2017
*- بقلم : علوي شملان