الإختلاف سنة من سنن الحياة وعند الأمم الراقية والمتعلمه والمثقفة فإنه ظاهرة صحية ، ولو كان الناس لون سياسي واحد وعقل وتفكير واحد لتعطلت الحياة وتوقف مسار التقدم والرقي .
ومن المسلمات ان الاختلاف في الحياة السياسية شي لابد منه , ولكن لكل أمة ثقافة ولها إرث خاص يؤثر فيها تتوارثه جيل بعد جيل , وهذه الثقافة لا يمكن تغييرها بجرة قلم او برأي شخص بل بممارسة محدودة للديمقراطية حسب الحاجة . إذ لا يمكن تطبيق الديمقراطية في كل مناحي الحياة في مجتمع متخلف او منغلق والشواهد اكثر من يستوعبها هذا المقال .
ومن البديهي ان اي ثورة او انتفاضة تحررية لابد ان تنقسم حسب المؤثر الداخلي او الخارجي ويبقى الهدف واحد لكن الوسيله تختلف فإن هذا الانقسام يعتبر طبيعي ومفيد . اما اذا تغير الهدف وتغيرت الوسيلة فإن هذا يعتبر ثورة مضادة وهذا ما يطلق عليه _ الخلاف _ أي انه مخالف لما عليه الإجماع .
وفي مجتمعنا الجنوبي يجب ان نعترف بالقصور في الجانب الثقافي التعبوي للشارع نتيجة لغياب الوعي ومحدودية الثقافة خلال فترة ما كان يسمى (الوحدة) عندما عملت السلطة على اهمال التعليم في الجنوب عمدآ لتنفيذ سياسة التجهيل الممنهجة .
ومن هنا شاهدنا اللجوء للقبيله للاستقواء ضد الخصم في بعض الحالات مستغلة حالة الجهل الثقافي الموجود . وفي حالات اخرى كان اللجوء الى الناحية الدينية وتسخيرها لمصلحة جهة او حزب معين لما لها من اثر في حياة المواطن العادي .
.... وقد قرأنا _ أن النزعة القبلية او الدينية من ادوات الصراعات السياسية يستخدمها القادة من اجل دفع اتباعهم على القتال والموت فيتخيلون انهم يموتون من اجل عقيدتهم او قبيلتهم .
وهذا لا شك فيه من واقع الحال فيما نراه ونسمعه كل يوم في بلادنا .
التمترس وراء القبيلة حاضر في كل مناحي حياتنا السياسية والاحتماء بقوة القبيلة اصبح هو الوسيلة للضغط على الخصم وتهميشه او الحد من نفوذه . وكانت القبيلة حاضرة وبقوة في الصراعات الداخليه حتى في ظل شعار الاشتراكي (لاقبلية بعد اليوم) . شاهدنا كيف استدعت القبيلة عام 86م وانتصرت لأبنائها من المتخاصمين وهذا شي لايستطيع ان ينكره احد وهذا ايضآ ناتج عن غياب الثقافة وسطحية الفكر.
كذلك استخدم الدين سياسيا من قبل جهات وتيارات للوصول الى الهدف السياسي والتسلط عبر منافذ هامة ومؤثرة ممثلة في المساجد والمدارس خدمة لأغراض سياسية واجندة داخلية وخارجية .
كما استخدم في اغراض خطيرة مثل تصفية الخصوم والقضاء عليهم بدعوى الكفر والبعد عن الدين وهو في الاساس غرض سياسي بحت .
كل هذه الوسائل استغلت لخدمة الذات او الأحزاب او التيارات مستخدمة العامه (الدهماء ) لتنفيذ مآربها السياسية .
لقد مرت ثورة الجنوب بمحطات ومنعطفات كثيرة مند عام 2007م .. تعددت القوى والاتجاهات والمشارب . اختلفت الوسائل وكان الهدف واحد وهو استقلال الجنوب وبناء دولته المستقلة .
وارتفعت الاصوات مطالبة النخب الجنوبية بضرورة تشكيل حامل سياسي يتحمل قيادة المرحلة المقبلة وظهرت محاولات جدية تحت مسميات ومقترحات متفرقة ابرزها (المؤتمر الجنوبي الجامع) ولكن لم تنجح تلك الفكرة نتيجة معارضة داخلية عرقلة تشكيله.
ومع الحاح انصار الحراك الجنوبي على القيادات بضرورة تشكيل حامل يمثل طموحات شعب الجنوب تشكل المجلس (الانتقالي) الجنوبي لقيادة المرحلة الحالية حتى تستقر الأوضاع في الجنوب وحضي بتأييد واسع من شعب الجنوب على الرغم من المآخذ عليه ولكنه احتل مكانة مهمة في وجدان معظم شعب الجنوب التواق للحرية .
ورغم ان لنا مآخذ كثيرة على المجلس وقيادته الا ان ذلك لا يمنعنا من تأييده كونه التشكيل المؤهل الوحيد في الوقت الحاضر لقيادة المرحلة الحالية الحساسة .
ومن مظاهر (الخلاف) فقد جاء اعلان تشكيل مسمى جديد (الإتلاف الوطني الجنوبي) في غير وقته مع وجود الإنتقالي الجنوبي بل انه يعتبر تيار مضاد لايخدم قضية الجنوب واستقلاله بقدر ما يخدم اجندة تتقاطع مع تطلعات شعب الجنوب .
اننا نطالب كل القيادات الجنوبية أن تضع مصلحة الجنوب فوق مصالحها وأن تتوحد الجهود في سبيل استقلال الجنوب بعيدا عن المماحكات السياسية والأنانية التي عانى منها الجنوب الأمرين عبر عقود من الزمن .
وليعلموا ان الزمن قد تغير وما كان معمولا به في السابق لا يمكن ان يقبله الشعب اليوم وأن عبادة الأصنام قد ولت وانتهت ولا مجال للشعارات الممجوجة(بالروح بالدم نفديك يافلان) كما أن ثقافة التخوين لا يمكن أن تأتي بوطن او تحرره .
وعلى جميع القيادات التجرد من انانيتها وثقافتها القبلية لأن الشعب يريد بناء دولة مدنية يسودها النظام والقانون وتتساوى فيها الحقوق والواجبات .
نسأل الله أن يؤلف بين القلوب ويجمعها على خدمة هذا الشعب المظلوم.