رحم الله باسنيد، فقد كان من أوائل من وقفوا ضد نظام صنعاء وحذروا مبكرا من أن علي عبدالله صالح سوف يغتال الجنوب وقادته.. وهو من أوائل المقاومين والرجال الذين لم يطمئنوا الجنوبيين فقد حذرهم وناشدهم العودة والحذر بأن الحرب قادمة. وحين اندلعت الحرب لم يتوقف بل أعلن صوته وكتاباته.. ودبابة 7 يوليو بجنزيرها لازالت تحت بيته في عدن. لم يصمت ولم تسكته المغريات، وزن الأمور وزنا حقيقيا، وكان حريصا على تغليب كفة الجنوب وضميره، وأراد إظهار الوجه البشع واللئيم لعلي عبدالله صالح منذ أحداث المكلا المعروفة (مظاهرات الضوراني وما بعدها)، كان جنبنا ولم يرتجف لحظة، كنا نزوره في الفندق والمكلا تشهد أحداثا ومواجهات، وكان من خلال صحيفة «الأيام» يكتب ويكتب ويؤازر دون أن يتوقف، بل وبفهم وتوجه استحق تقدير الشارع والمجتمع.
كان الراحل بدر باسنيد الشخصية القانونية والعدنية الواسع الثقافة والسياسي والكاتب يعرف من يواجهه، وما هي التحديات أمامه، هو من الرجال الذين يتصفون بالصلابة والقوة في لحظة المواجهة، بل لديه شجاعة أظهرته كمناضل كبير من مناضلي الجنوب والمقاومة لمكائد واستبداد نظام صنعاء والمتنفذين القبليين والعسكريين والمتخاذلين حتى من الجنوب ذاته، لديه عمق رؤية، وسعة فكر سياسي وقانوني وإنساني، بمعنى إقامة الحق ورفض الظلم الذي يدار فوق أرض الجنوب وضد شعب الجنوب.. اتصف بعزيمة هي جزء من أخلاقه، لا يرضى بأن يخضع، وعاشق للحرية والعدالة والإنصاف، كان يختار كفة المواجهة من أجل حقوق الجنوب، وهذا جعله مبدأ لازمه حتى رحيله، رحمه الله.
ما أعجب من هذا الزمن أن يلتقط من المناضل بدر باسنيد تلك المزايا التى أظهرته بما يليق به، وهذا فضل من الله لهذا الرجل، هو من ضمن من بادروا بفضح أساليب نظام صنعاء قبل حرب 94م، وأعلنها بوضوح وثقة وفهم عميق، بل جعل من نفسه ممن أفصحوا بأن الحرب على الأبواب وأن الجنوب يؤكل الآن، وهو ممن أشهروا موضوع المقاومة والرفض والنقد، وأن السكوت هو الموت وفتح طريق الاستبداد والظلم والغمط لحقوق الجنوب، قالها أكثر من مرة، وكان صريحا شجاعا وبمبدأ لم ينتظر من يقف معه أو من يساوم أو تخلف عنه أو من تراجع، كان بميزة الرجل المحنك يدرك أن الطريق طويلة وشاقة، وأن حجم المعادلة ليست في كفتنا أو أننا في وضع صعب وشاق أيضا علينا وعليه، لكنه أصر وعلم كل من حوله كيف يكون العزم، هو عزم الرجال المتيقنة من أن جهدها وتضحياتها لن تذهب ولو بعد مائة عام.
كان لدى بدر باسنيد، رحمه الله، من الصلابة ما وفقه وثبت خطاه في طريق النضال، وجعله من رموزنا المناضلة ومن شخصياتنا التي نفخر بها ونحبها وندرس أعمالها وجهادها ورؤيتها وأوراقها النضالية وعشق قلبها، لأنها جاءت من بيننا ولم يقف هذا المناضل في محطة أو تتجاذبه المغريات والانحيازات ضيقة الأفق والمصدر والمكسب، اطلاقا كان تراثه النضالي وقوة عزيمته وشخصه وكتاباته ليس من نوع العلامة التجارية ولا محشوة بالانفعالات الهوائية، جعل من نفسه وزنا ودورا ومكانة وأستاذا دون أن يوزع الهدايا، أردناه نحن هكذا أن يظل بدر باسنيد الأستاذ المحامي المناضل المقدام القدوة، رجل التحدي والرفض الشريف الذي اعتلى منارة الصوت الجنوبي الصادق وأعلاه بكل ما في بدر باسنيد من إنسانية ونصرة وعزوة وشكيمة وجرأة ونضال.
رحمه الله رحمة واسعة ولنا العزاء في هذا المناضل الأصيل والجميل معا، والعدني الذي جعل من نفسه عنوانا لتراث من النضال الجنوبي المعاصر الذي لن تطفأ أنواره، إنها تشع وتسعدنا وتحيا.