فطنت الأنظمة المستبدة التي اجتاحتها ثورات الربيع والسلطات الحاكمة، التي جاءت راكبة على ظهور الجماهير لمهنة الإعلام وخطورتها في صناعة التحولات وقيادة الجماهير، فضخت مئات الملايين لشراء ولاءات ضعاف النفوس من المنتسبين لهذه المهنة الشريفة، وللدخلاء عليها الذين يعتقدون أن الإعلام هي مهنة مكاسب وابتزاز ومراكمة أرصدة وليست رسالة نبيلة وشريفة.
يحزّ في نفسي كثيرا اليوم وأنا أشاهد الصراع الإعلامي في المواقع والصحف وصفحات التواصل الاجتماعي بين ما نعتقد أنهم نخبة إعلامية.. الصراع البعيد كل البعد عن هموم الناس ومعاناتهم وقضاياهم المستقبلية المصيرية، وإن غلف أحيانا بها، لكنه في الواقع صراع عقيم الهدف منه المتاجرة والمرابحة بآلام وأوجاع الناس على حساب الحقيقة والمصداقية والواقعية.
يؤلمني حينما أسمع صحفيا أو إعلاميا يقول إن لديه من المال ما يكفيه لخمسين عاما، وإن الشعب هو الخسران، وذلك في معرض تحريضه للجماهير ضد فصيل أو مكون معين.
ثم يقول آخر إن الصحفيين والإعلاميين يعيشون في النعيم، وإن الشعب هو المعذب، وذلك في معرض التحريض والكذب وإيهام الناس وحملهم للدفاع عن قناعاته التي سبق وأن استلم ثمنها.
أقول لمثل هؤلاء كلوا لكم بصمت، ولا تظلموا الصحفيين والإعلاميين، فهم الشريحة الأكثر فقرا ومعاناة، وإلا فإن مكانكم الطبيعي هو خلف القضبان، إذ إن مهنة الإعلام هي مهنة شريفة ونبيلة وذات رسالة، وليست مهنة للتسول والشحت والابتزاز، فإن كنت ممن ابتلاهم الله بالمتاجرة بأوجاع الناس وآلامهم وبالابتزاز والتقلب والتلون فالأفضل أن تستتر فهذا ابتلاء يستوجب الستر.
الإعلام قبل ثورات الربيع كان هو الموجه والمرشد والقائد، واليوم للأسف أصبح هو المقود والأداة التي يهدم بها السياسي المجتمع، ويدّمر المؤسسات، ويشعل الحرائق، ويداري بها الفاسد جرائمه وفضائحه، وذلك بسبب الدخلاء على مهنة الإعلام الذين يدعون الطهر والعفاف، بينما هم يتلاعبون بوعي الناس ويستثمرون أوجاعهم، وبمقابل مجزٍ.
لن يستمر هذا الوضع طويلا، فلابد من وضع حدٍّ للفوضى التي اجتاحت الوسط الصحفي والإعلامي، ولابد من وضع ضوابط لتفويت الفرصة على المستبدين والفاسدين ومراكز النفوذ المدمرة من استخدام الإعلام لتحقيق أهدافها المدمرة، فالإعلام رسالة وأداة للتغيير والبناء، وينبغي أن تستمر كذلك لتحقيق تطلعات الشعوب في التحول والانعتاق من الاستبداد والجهل والفقر والمرض والفساد.
*- الأيام