إحتدم الجدل في الأيام القليلة الماضية حول قرار الرئاسة اليمنية - المعترف بها دولياً - إنشاء معسكر واسع في منطقة العلم، شرق مدينة عدن، بدأ العمل عليه فعلاً بمسح المساحة المستهدفة. يقال إنه سيكون تابعاً لألوية الحماية الرئاسية التي يقودها نجل الرئيس عبد ربه منصور هادي، العميد ركن ناصر عبد ربه منصور، فيما مصادر أخرى ترجح أن يكون مقراً للواء مكافحة الإرهاب الذي يقوده العقيد عادل علي هادي، والموالي لهادي، لتضييق الخناق على لواء آخر يقوم بالمهمة نفسها، ويحمل الإسم نفسه، يقوده الضابط يسران القباطي، المقرب من الإمارات. تمحور الجدل حول أمرين: الأول هو الغرض من إقامة مثل هذا المعسكر الكبير، الذي قيل إنه سيتسع لآلاف الجنود والضباط، وسيضم مرابض للآليات العسكرية، وأماكن لإيواء للجنود، وساحات تدريب، ومخازن أسلحة ومعدات، كما سيحوي قسماً خاصاً بتدريب الضباط. في هذا الإطار طُرحت أسئلة من قبيل: مَن هي الجهة السياسية الحقيقية التي تقف خلفه؟ وضد مَن يتم تجهيزه في ظل غياب التسوية السياسية للأزمة اليمنية والقضية الجنوبية بالذات، واستمرار تمسك الرئيس هادي وحزب «الإصلاح» بفرض مشروع الأقاليم الستة، ومع تكثيف الزيارات التي تقوم بها قيادات عسكرية موالية للجنرال علي محسن الأحمر إلى عدن مؤخراً؟
وهل اختير موقع هذا المعسكر في مكان مفصلي يربط غرب الجنوب الاستراتيجي بشرقه النفطي، بعدما طفى على السطح الصراع على منابع النفط والغاز، كما حصل في محافظة شبوة من مواجهة عسكرية بين قوات اللواء 23 مشاة المرابط في العبر، والمحسوب على الجنرال علي محسن الأحمر وحزب «الإصلاح»، والذي يسعى منذ أيام للتقدم باتجاه حقول النفط في المحافظة ومنها حقل العقلة الضخم، وبين قوات «النخبة الشبوانية»؟ وهل سيشكل المعسكر رأس حربه في أي جولة صراع مسلح في الجنوب، في ظل الأساليب المريبة التي يتم من خلالها تشكيل الوحدات العسكرية والأمنية على طول الجنوب وعرضه؟
والأمر الثاني هو ملكية الأراضي الشاسعة التي يستهدفها هذا المشروع، حيث أن أغلب تلك المساحة، إن لم يكن كلها، أراض مملوكة لمواطنين بعقود شرعية ومخططات رسمية. وبالفعل، فقد عبّر كثير من المواطنين الذي بلغهم الخبر عن استغرابهم لهكذا تعدٍّ وبسط دون حتى أن يكلف الباسطون أنفسهم عناء إبلاغ المُلّاك، بل بلغ الأمر حد منعهم من الوصول إلى ممتلكاتهم، مما ينذر بتفاقم ظاهر البسط على الأراضي في عدن، وبالتالي بمزيد من الصراعات والفتن والتشظي داخل مجتمع ينوء بكم هائل من الأعباء والمظالم وسلب الحقوق.
إنشاء هذا المعسكر على أحد مداخل عدن أعاد إلى الأذهان الحديث عن قرار صدر منتصف العام الجاري، عن «اللجنة الثلاثية» (السعودية والامارات واليمن)، قضى بإخراج المعسكرات من عدن إلى لحج وأبين، وهو الأمر الذي حاول التمسك به محافظ عدن الجديد، عبد العزيز المفلحي. فبإنشاء هذا المعسكر، وبهذه الضخامة، وفي هذا المكان الحساس، يكون قرار إخراج المعسكرات المذكور آنفاً قد دُفن إلى الأبد تحت غرافات المسح هناك، (يقع المعسكر، عملياً، في مدينة عدن، وإن كان في ضاحيتها الشرقية إلا أنه يظل داخل المدينة)، مع أن نسبة تنفيذه شبه معدومة من الأساس؛ بحكم رفض الرئاسة وقيادات عسكرية موالية للواء الأحمر، ومنهم اللواء عبد الله الصبيحي، مثل هذا الإجراء الذي ترى فيه استبعاداً لها من ساحة حسم مهمة كعدن العاصمة، ورميها خلف الحجب.
وبالمناسبة، فإن هذه القوى التي ترفض اليوم قرار إخلاء عدن من المعسكرات هي جزء أصيل وكبير وشرس من القوى التي دأبت على رفض إخلاء المدن من السلاح والمعسكرات غداة الوحدة عام 90م، وكانت العنصر الفاعل في تلك الحرب على الطرف الجنوبي والحزب الاشتراكي عام 94م، لإفشال مشروع وثيقة العهد والاتفاق، والذي كان من بين أهم نقاطه الأساسية إخلاء العاصمة (صنعاء) والمدن من المعسكرات ومن كل الأسلحة الثقيلة، وبالتالي فلا غرو أن تظل هذه القوى متمترسة اليوم خلف مواقفها، طالما وهي ترى في مثل هكذا إجراء نزعاً لأنيابها وتقليما ًلمخالبها.
كان من المفترض قبل أشهر قليلة مضت، وبحسب خطة إعادة انتشار أعدتها قيادة المنطقة العسكرية الرابعة في عدن عطفاً على قرار «اللجنة الثلاثية» أن يتم توزيع قرابة 12 وحدة عسكرية موجودة في عدن على النحو التالي: اللواء الرابع حماية منشآت إلى شقرة، معسكر الدفاع الجوي إلى معسكر الأمن المركزي في الضالع، اللواء 39 إلى معسكر لبوزة في لحج، الواء 103 مشاة إلى منطقة جحين شرق محافظة أبين، اللواء 89 مشاة إلى يسوف وعكد شرق محافظة أبين، اللواء الأول مشاة إلى كهبوب، اللواء الثاني دعم وإسناد إلى مصنع الحديد، اللواء الثالث حماية رئاسية إلى طور الباحة، لواء النقل إلى معسكر الراحة، اللواء الرابع دعم وإسناد إلى معسكر طور الباحة في الصبيحة، اللواء 31 مدرع إلى منطقة خرز، لواء الدفاع الساحلي إلى منطقة عمران.
لكن قائد المنطقة العسكرية الرابعة، اللواء فضل حسن، تنصل من تنفيذ الخطة على ما يبدو، بشكل أوحى بأن ثمة ضغوطاً قد مورست عليه من قِبل جهات عليا ليصرف النظر عن الفكرة.
*نقلاً عن موقع "العربي"