الرياض دورها وحاجتها .. حضرموت الاتحادية أو اليوم التالي ( 4 )

2013-03-19 14:26

 

مقدمة

الشعوب التي تملك حرية الاختيار ستختار الحرية دائماً

ـ الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ـ

ليلة الثامن عشر من مارس 2013م شعبنا العظيم من المكلا إلى عدن كتب عبارة " القرار قرارنا " ، هكذا قالها الرئيس الأمريكي قبل ثلاثين عاماً نحن شعب حر واختار قرار الحرية ، بين النشوة والطموح شعرة كشعرة معاوية .... وكلنا كمعاوية ..

 

في خور مكسر .. القرار

في لقاء المعارضة الجنوبية بالأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجية بالرياض في كانون الأول / ديسمبر 2012م كان رهان من الصعوبة بمكان تجاوزه بأي حال من الأحوال ، فالقرار لم يكن بيد القيادات التي حضرت في القاعة رقم ثلاثة من فندق الفيصلية بل إن القرار الحاسم جاء من الشعب الذي احتشد في مليونيات 14 أكتوبر و30 نوفمبر ليخضع كل القيادات تحت قرار واحد هو المتمثل في الاستقلال الكامل عن الجمهورية العربية اليمنية ، لم تخضع ستين شخصية لوهن اللحظة فلا مساومة على حق الشعب فيما قرر ، لذا كان من الواضح أن ينسجم بيان الرياض وهو ما أطلق عليه لاحقاً " وثيقة الرياض " في متطلبات واضحة وصريحة لم تخرج عن مطالب الجماهير .. ولم تذهب مليونية 13 يناير الكبيرة إلا تحت راية الاستقلال أيضاً في مواقف متوحدة ولرغبات جادة في حق تقرير المصير وفقاً لما تمثله المقررات الدولية في هيئة الأمم المتحدة والتي شاءت أن تذهب في تواطئها منتصف فبراير 2013م لتصدر بياناً شاذاً وضع السيد علي سالم البيض في إطار معرقلي المبادرة الخليجية ومهددة بفرض عقوبات أممية في شأن لا علاقة للقضية الجنوبية به من قريب أو بعيد .. أذن لنفكر قليلاً فيما حدث ... ما حدث ان القضية الصغيرة التي كانت في 1967م ضئيلة تعاظمت مع التواريخ والأيام حتى بلغت عند الشعب قبل السياسيين والعابثين خلفهم إلى مشروع سياسي يتجاوز المؤامرة اليمنية القديمة والمؤامرة الدولية الجديدة ، سقطت كل الرهانات على هزيمة الشعب الذي دفع أصحاب القرارات ليواجهوا حقيقة المستقبل فكانت الأمواج البشرية التي اجتاحت الساحات والميادين تدفع العقول لتقرر لليوم التالي ..

 

The next day

واحدة من الهواجس الكبيرة التي صنعتها صنعاء ومعها الأيام القديمة تتمثل في صراعاتنا وأزماتنا يضاف إلى ذلك مدى قدرتنا على تأهيل بلادنا وهويتها وتركيبتها السياسية ، وهي هواجس بدون أدنى شك مطلوبة في اللحظة والزمان فلا يمكن تجاوز الواقع لنضرب مع الأوهام مواعيد ستكون مضطربة حال اقترابها أو وقوعها ، وما تحذر منه صنعاء الآخرين وتحديداً الرياض هي ما صنعته وهو ما أوضحناه في الأعداد السابقة من سلسلة المقالات هذه .

بمحض من الصدفة وقع بين يدي مشروع ( اليوم التالي ) (The next day) وهو  عنوان الخطة التي تضمنها تقرير صدر في برلين ووقع في مئة وعشرين صفحة بهدف دعم التحول الديمقراطي في سوريا لما بعد الرئيس بشار الأسد.

الخطة شارك في وضعها حوالى خمسة وأربعين مثقفاً وخبيراً سورياً من مختلف الطوائف ممن يدعمون الثورة السورية وتناولوا فيها بالتفصيل المسار المؤدي إلى إقامة بلد ذي هوية وطنية جديدة والى جمعية تأسيسية منتخبة تفتح الطريق أمام نظام ديمقراطي مبني على تعدد الأحزاب ، وجاء هذا المشروع بمساعدة معهد السلام الأمريكي والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن ..

وإذا كان السوريين قد فطنوا لهذا المشروع فقد فطنا له بجهد ذاتي ، فلقد قدم مجموعة من الناشطين مشروعاً تحت عنوان ( حضرموت الكبرى ) حمل الرؤية السياسية والاقتصادية للدولة فيما بعد ( فك الارتباط ) عن صنعاء ، وقد تم تقديم هذه (  الرؤية / المشروع ) إلى عدد من القيادات السياسية والفكرية في الجنوب ووجد من الترحيب الكبير ، فلقد عالجت الرؤية حالة الارتباك في الهوية فجاءت تسمية الدولة بـ ( حضرموت الكبرى أو حضرموت الاتحادية ) وعاصمتها ( عدن ) على أن تقوم تركيبة الدولة وفقاً لمعايير الفيدرالية وبمراعاة الخصوصية للمحافظات ذات الخصوصية الأمران اللذان تم التوافق عليها في "وثيقة الرياض" 18 ديسمبر 2012م ، وبما يتناسب مع الوضع الاقتصادي لكل إقليم على حده ..

 

الرياض وخياراتها ..

من المهم الآن أن نتفهم حاجة المملكة العربية السعودية والتي تواصل بناء سياجها العازل على طول 1800 كيلو متر ممتدا على حدودها مع الجمهورية اليمنية ، والحاجة السعودية تكمن في دورها القيادي والتي عبرت عنه الرياض في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقمة الرياض الثانية والثلاثين والتي دعا فيها بانتقال مجلس التعاون من الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد الكونفدرالي ، وهو ما قد يتم تفعيله في نهاية هذا العام 2013م ، وهذه الصيغة السياسية إنما تشكل نقطة تحول محورية في السياسة السعودية ، وهي مرحلة متقدمة لمواجهة المخاطر المحتملة ..

فهل يمكن أن تنجح المنظومة الخليجية في حماية شعوبها من الرياح العاتية وتأثيراتها ، وحتى يمكن الإجابة على هذا السؤال على المنظومة الخليجية أن تنجح في مساعدة الجنوب على حل قضيته وإيجاد المخرج الآمن للازمة اليمنية العاصفة ، فمساعدة اليمن تبدأ من إقناع الأطراف المتشددة فيه بأن خيار استقلال الجنوب هو جزء من مشروع تكامل الجزيرة العربية ، وأن الدولة الجديدة التي ستنشأ ستحتاج إلى مسوغات حياة لابد من مشاركة اليمن قبل غيره فيها ..

الدور السعودي فقط هو الذي عليه أن يكون رائداً وخلاقا تجاه نفسه ويمثل محور القوة في الدفع السياسي المباشر لتأسيس بنية تحتية سياسية متينة تبدأ بمشروع الكونفدارلية الخليجية تشمل الدولتين الناشئة عن فك ارتباط اليمن ما سيحقق تكامل سياسي لدول شبه الجزيرة العربية مع تهيئة المجتمع على مساحة الجزيرة  لتغيرات كبيرة في المصطلحات والمفاهيم اقتصادية كانت أو اجتماعية .

يقول المفكر الكويتي عبدالله النفيسي في حديث موجة للدول الخليجية الست :

( هذا تاريخ والتاريخ ليس حفلة شاي.. التاريخ نهر جارف تكون أو لا تكون فإما أن تفهم ما يدور من ‏حولك من أحداث جيدا أو تغرق ويجرفك التيار بعيدا.. وأنا أقول أن دول مجلس التعاون الخليجي الآن ‏وفي وضعها الحالي سفينة تغرق.. وعندما تغرق السفينة يقول قائدها اتركوا السفينة. ولذلك أؤكد أنه ‏لابد من وجود خطة إنقاذ للسفينة وعدم تركها تغرق وخطة الإنقاذ تكمن في تكوين الكونفدرالية بين ‏دول الخليج بأسرع ما يمكن وقبل أن يفوت الأوان. فهي إنقاذ لنا جميعا "الشعوب والأسر الحاكمة ‏وكذلك الكيان التاريخي )

المنطلق العميق يبدو أنه يتجاوز هذا الطموح السياسي الذي لن يعالج غير جزء من المشكلة والتي ستبقي مجموعة الخليج وعلى رأسهم عرّابة المشروع المملكة العربية السعودية بحاجة إلى تأمين جوانب الخدمات وتلبية الحاجة الدائمة إلى البنية التحتية المستمرة مع تضاعف الإنفاق الحكومي على هذه القطاعات ، وهذا يعطي لليمن قدراً من الأهمية نتيجة المخزون البشري الذي يتجاوز به نصف سكان دول مجلس التعاون الخليجية مجتمعة ..

 

الرياض وعدن وصنعاء

أن ما على الرياض أن تلعبه يتجاوز المشروع الكونفدرالي الخليجي ، هذه الحقيقة ليست سياسة أهواء بقدر ما هي سياسة مصلحة واستقرار تعيد تركيبة الإنسان العربي في معقله الأصلي شبه الجزيرة العربية ، وهذه قد تكون هي المهمة الكبرى التي على أهل البلاد السعودية أن يقوموا بها ، وقد يكون هذا هو قدرهم لقيمتهم بين أقرانهم العرب ، وان تكون المرحلة الماضية هي مجرد مرحلة تقود المنطقة لتكامل نوعي بين الثروة والإنسان ..

إن الوعي دائما ما يقترن بالالتزام ، وهذا ما يجب أن نعيه في الجنوب فنحن نعي حاجتنا إلى الاستقلال الوطني بتصحيح مسار التاريخ أولاً هذا الوعي يلزمه مسؤولية أمام أجيال يجب أن لا تعيش ذات التجربة الخاطئة في الدولة الخاطئة ، وما ينجر علينا ينجر تماماً على أشقائنا في اليمن فما حصده الشعب بعد 1962م لا يجب أن يتكرر لأجيال قادمة ، استدعاء العقل في هذه المنطقة من العالم هو الشيء الأصح لتنمية الإنسان فاليوم التالي هو مسؤوليتنا كما هي مسؤولية الجارة الكبرى بلاد الحرمين ومهبط الوحي الأمين ..

قال الله تعالى

{  الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأْمُورِ   }