لو كانت ثورة حقاً لكان غالب القمش في السجن الآن، والإصلاح يحمي جهاز الأمن السياسي
محمود ياسين
رأت الكلمة التي ألقاها غالب القمش ضمن اجتماع موسع لقبيلة حاشد.. أولاً تقدمت في العمر لا أدري كم تقدمت لكني قطعت مسافة كبيرة ولمحت بعض الشعر الأبيض في وجهي والشعور برغبة في الحج.
لو كانت ثورة حقاً لكان غالب القمش في السجن الآن، بدلاً من هذه البجاحة التي يتجول بها رئيس جهاز الاستخبارات متحدثاً في مقيل شيخه صادق الأحمر عن أولويات المرحلة وكيف انه يعرف أعداء اليمن قبل الثورة وبعدها.
على مدى ثلاثة عقود وهذا الرجل يدير عملية ممنهجة لتصفية العناصر الوطنية وتجفيف منابع تحديث البلد من خلال عمليات اعطاب الأدمغة الوطنية الرافضة لمنهج الحكم المتخلف وهو يرهن الدولة لتحالف العسكر والقبائل وتبعية المملكة.
والآن غالب لا يزال يعرف أعداء اليمن، بل أصبح يعرفهم الآن أكثر وكل الذي قامت به الثورة إذن هو منح غالب غطاءً ثورياً لتصفية ما تبقى من عافية اليمن الذهنية فهو من الآن يقوم بدور ثوري في واحدة من أكثر مزحات التاريخ مأساوية عن ثورة تنجز اتفاقاً خسيساً مع جهاز المخابرات.
هذه الثورة تشبه مؤسسات غسيل الأموال القذرة فقد نقلت كل رصيد الفساد وموارده البشرية إلى الحساب الجديد لبلاد حظها عاثر.
منذ الأيام الأولى للثورة والإصلاح يحمي جهاز الأمن السياسي من الموقف الثوري الأخلاقي ويفرض وجود هذا الجهازفي الساحات عبر الاستعانة بعناصره وتحديداً من المنتمين للإخوان ومن ثم التجول بفأس الرعب الملوح بتهمة علاقة الرافضين بالأمن القومي باعتباره النقيض الأخلاقي للأمن السياسي. وعلى أساس من أن الأمن القومي هو (أمن العائلة) بينما تم تعريف أمن القمش على أنه الأمن الوطني.
كان التعريف الأخير (الأمن الوطني) في الماضي هو الشناعة عينها على مدى عقود من تعذيب اليساريين تحديداً وتشويه أجسادهم وسمعتهم انتهاءً بتشويههم نفسياً وإقعادهم في بيوتهم يلعبون الضمنة.
ولقد كان الأمن القومي بدرجة كبيرة أمن العائلة حقاً حينما حاول علي عبدالله صالح في أيامه الأخيرة تعزيز حكمه من خلال بناء مؤسسات أمنية ورجال مفارقين لحالة الشراكة العائمة والتي لم تعد مأمونة.
فأصبح على اليمن تحويل كلما لم يعد صالح في أيامه الأخيرة منسجماً معه تماماً إلى أبطال ورموز من بينهم السيد غالب الذي لم يكلف نفسه عناء إعلان الانضمام للثورة ذلك انه كان بخبرته الأمنية وموارده اللامحدودة يجلس في مكتبه مسترخياً بثقة من يدرك ان الثورة في طريقها إليه ليس من أجل اقتياده للمحاكمة ونعث سجلاته ووثائقه الأمنية كما فعلت الثورة المصرية بمكاتب جهاز أمن الدولة ولكنها في طريقها إليه لتمنحه أوراق اعتماده وتعميده كحارس موثوق به للمغارة الجديدة التي شيدها اللصوص الكبار. ذلك ان لا أحد منهم يجهل كفاءته ودرجة إخلاصه للسيستم.
يردد أحدنا الآن بلا تكلف ولا تزيد مقولة الزبيري بعد ثورة 48" ما كانت أحسب اني سوف أرثيه."
ولو لم يكن القمش قد تفوه بترهاته الأمنية في مقيل شيخه الذي حضره بصفة شيخ حاشدي مصغر يعمل رئيساً لجهاز أمن الدولة ويثني على دور شيخه في الثورة السلمية وكان غالب هو الشاب المثقف خريج جامعة صنعاء الذي يحفظ البردوني عن ظهر قلب وبقى عاطلاً عن العمل خمس سنوات بعد التخرج قضاها في الأنشطة الحقوقية والحلم بحياة أفضل لليمنيين وعدالة لأجل المقهورين وقام شيخه في لحظة تاريخية بدعم ثورة البرعم الأخضر النابت على جذع حاشد العظيم.
لو كان حصيفاً قليلاً ما قال (نعرف أعداء اليمن قبل الثورة وبعدها) أو انه لم يحضر اجتماع حاشد لما انكشف حتى للحظة للوعي اليمني ضمن انكشاف أحد مفاصل خدعة كبيرة.
ذلك انه من البداية ونحن نسقط أبجديات التجارب الإنسانية من حياتنا ومحاولتنا الثورية معتمدين بدرجة ما على جهاز المخابرات في ثورة لم تعد تدري ضد من!!
وكأن مقولة ابراهيم الحمدي (التصحيح بالملوثين جريمة) قد دفنت مع آخر ناصري دفنه القمش في أحد أقبية جهازه العتيد.
الجهازالذي انبجس من صخرة الجلافة التاريخية الحاكمة والناظمة لحركة اليمنيين في مربع مرسوم سلفاً لا يمكن تجاوز خطوطه وتعمل فيه حركة الناس على إنعاش ماكينة التخلف وتهويتها..
ينبغي لجيلنا الآن الاستعداد لمجابهة غالب وقد زودوه بثورة. وبينما هلك الوطنيون على يدي غالب واليمن تحدق إليهم بإجلال سنهلك وقد وسم غالب وجوهنا بالخيانة.
* منقول بتصرف