لا أخفي إعجابي بقدرة ومَلَكَة علي البخيتي في تسويق وطرح أفكاره وطروحاته التي تتسق ومواقفه المتقلبة وأدواره المرسومة له، وأن كنت أختلف معها قطعياً. ومما لفت انتباهي في ظهوره الأخير صراحته وإصراره على السعي لإعادة التحالف بين رموز الهضبة الزيدية، التي لا يخفي الانتماء إليها ويخشى أن يسحب البساط من يدها، لا سيما بعد أن قلّمت عاصفة الحزم أظافر ومخالب ذلك الخطر الذي يمثله أتباع دعاة الحق المقدس في الحكم، سواء الذي يمثله عفاش أو الحوثيون، أو ما تسعى إليه رموزهم ممن ركبوا ظهر الشرعية ممن يعملون من تحت الطاولة لعودة الحق الذي يرونه حكراً لهم ولمذهبهم وقبائلهم، وأن غلفوه بمسيات أخرى تتماشى مع العصر وبتحالفات جديدة.
ففي هذه المرة أطل علينا البخيتي ينظر ويسوِّق بوضوح لإعادة التحالف بين علي عفاش- الذي يغيضه وصفه بالمخلوع- وبين علي محسن الأحمر، ويصور الرجلين وكأنهما من ينقذ اليمن ويعيدا الجمهورية من مخالب الحوثية الكهنوتية السلالية، كما يصفها، متناسياً بقصد أنهما قد أشبعا الجمهورية موتاً، كما أشبعا الوحدة قتلاً، ثم يصورهما بالمنقذ لليمن ومنطقة الخليج والجزيرة من شبح الخطر الإيراني وخطر ولاية الفقيه!!..
وفي هذا مغالطة وقلب لحقائق التاريخ القريب والبعيد الذي لا يخفى على كل متابع لبيب، وهو بهذه الدعوة يدغدغ مشاعر الأشقاء في التحالف العربي وخاصة المملكة العربية السعودية للعودة إلى نقطة الصفر والارتهان من جديد لوهم التحالف مع مربع النفوذ القبلي- الزيدي بجناحيه القبلي والعسكري الممسك بزمام السلطة والقوة والنفوذ، ممثلا بعفاش، بحجة وذريعة وقف المد الإيراني، وكأن عفاش لم يوصل الحوثيين إلى ما وصولوا إليه منذ أن كانوا أفراداً يجمعهم تنظيم الشباب المؤمن الذي شجع قيامه المخلوع منذ مطلع الثمانينات في القرن الماضي ويرسل قياداته إلى (قُم) ليبتز بذلك السعودية كخطر يلوِّح به على مقربة من حدودها، حتى سلّمهم في نهاية المطاف القوة العسكرية التي دفعت بالأمور إلى ما هي عليه اليوم من خراب ودمار، شمل الداخل والجوار، وهو ما لم تتنبه له إلا بعد فوات الأوان وبعد أن كشف المخلوع عن وجهه القبيح وتنكر لكل علاقاتها السابقة معه، ولم يشفع لها حتى موقفها الإنساني في انقاذ حياته من موت محقق بعد حادثة مسجد النهدين.
قد يكون من المستحسن للتحالف العربي أن يجيد توظيف التناقضات والصراع الذي اتسعت هوته بين تحالف الشر اللعين لتقريب حسم المعركة، لكني لا أحبذ الانجرار إلى ما يسوّق له الأخ علي البخيتي أو التهليل له والأخذ به كمسَلَّمات، حتى لا يتكرر خطر مماثل لخطر الحوثيين في المستقبل ، فالبخيتي في تقديري يقوم بدور، ربما رُسم له ضمن توزيع الأدوار وفق نظام التُّقية، وهو أمر غير مستبعد. ومع ذلك يجب علينا استيعاب دروس التاريخ والاتعاظ من عبره السابقة من قبل كل ذوي الألباب حتى لا تتكر المآسي من ذات المصدر المجبول على الشر بدعوى الحق الإلهي أو الحق القبلي والمناطقي، حتى لا يظل الحكم في شمال اليمن حكراً في تلك الرقعة الجغرافية وكأنه حقٌ مُقدّس، خاصة بعد أن بينّت الأحداث والتطورات العاصفة خطره الكبير على اليمن شمالاً وجنوباً ثم على الجزيرة والخليج، والمؤمن لا يجب أن يلدغ من ذلت الجحر مرتين.
أما الرهان على دور الجنرال العجوز علي محسن الأحمر، الذي هلّل له كثيرون وعولوا عليه في تسريع حسم معركة صنعاء أو في الحشد والمواجهة لكسر شوكة الحوثيين فقد أثبت الأيام فشله، بل وربما أنه ضليع بتأخير معركة الحسم على مشارف صنعاء بمبررات يسوغها للتحالف، فيما تتكدس قوات عسكرية كبيرة في مأرب لم تبارح معسكراتها، ولم تحقق نصراً يذكر مقارنة بما تحقق في جبهة الساحل الغربي، وهو ما يثير الشك والريبة عن ارتباطات مشبوهة بين أجندة مربع الشَّر!!
أما ما أعجبني في صراحة البخيتي فقوله كلمة حق بأن الشرعية، وأقول ومعها التحالف، عجزت وفشلت عن تقديم النموذج الجاذب للمناطق المحررة وللعاصمة السياسية عدن وإلا لكانت تحررت جميع المناطق التي ما زالت تحت قبضة الحوثيين..وهذا ما قلناه وبالصوت الكبير عبر مختلف المنابر منذ اللحظات الأولى للتحرير،، حيث أكدنا مراراً وتكراراً أن استقرار وأمن عدن أولوية قبل تحرير صنعاء، وأن معركة تثبيت واستقرار أمن عدن وتصفيتها من بؤر وخلايا الخطر بكل صنوفه وأشكاله وإعادتها إلى حياتها الطبيعية والمدنية بما في ذلك تفعيل المؤسسات والإدارات والقضاء والنيابة ومراكز الشرطة، أهم من تحرير صنعاء، لاعتبارات كثيرة، أهمها أن عدن هي العاصمة السياسية البديلة للسلطة الشرعية وأن أي اختلال أمني فيها يعد تحدياً للسلطة الشرعية وللرئيس عبدربه منصور هادي ووزير داخليته.. وتحدياً أيضاً لقدرة دول التحالف العربي على تمكين حلفائه وشركائه في صنع النصر في القدرة على إدارة عدن وبقية المحافظات المحررة وتقديم النموذج الأفضل لما ينبغي أن تكون عليه بقية المناطق التي سيكون هناك ما يحفزها لأن تتحرر من سطوة الحوثيين..لكن لم يسمع صوتنا أحد..ولعل صوت البخيتي صاحب المواقف المتلقبة سيوصلها لهم..لعلهم يتداركون الأمر ويعززون تحالفهم مع شركائهم الحقيقيين في صناعة النصر..