لماذا لم يهزم التحالف الانقلابي؟

2017-08-02 05:54

 

كتبت منشورا عن أحد جرحى المقاومة الجنوبية في معارك المخا ومعسكر خالد، وكان المنشور إشادة بهؤلاء الابطال وتحية لأدوارهم المشهودة في مواجهة الانقلاب الحوثي العفاشي ووكلاء الامبراطورية الفارسية في اليمن، وعلى الهامش اشرت بأنني اتحفظ على ذهاب الجنوبيين للقتال في محافظات الشمال، وقد قوبلت العبارة الاخيرة بتعليقات تضمنت حملات استنكار وشجب من قبل العديد من المتابعين بينهم اصدقاء وزملاء احترمهم واتبادل معهم مشاعر الود والتقدير وبلغت تعليقات أخرى حد التشنج والاتهام بل والشتم من قبل البعض.

 

وبعيدا عن ثنائية الوحدة  والانفصال دعونا نناقش القضية من الناحية الديمغرافية الصرفة، فنحن نعلم أن سكان محافظات الجنوب كلها البالغة مساحتها ٣٧٥ الف كم مربع لا يتجاوز الستة ملايين وهؤلاء لو كانوا كلهم مقاتلين (والأمر ليس كذلك بطبيعة الحال) لما كانوا كافيين لحماية المدن والثغور والمنافذ الجنوبية، ونعلم أن سكان محافظات الشمال يتجاوز العشرين مليوناً بمساحة لا تزيد عن ١٨٠ الف كم مربع وهو ما يعني أن خُمْسَ هذا العدد كافي لحماية مساحة تلك المحافظات وإرسال الفائض إلى محافظات الجنوب للمساهمة في الحفاظ على الأمن ومواجهة التخريب والإرهاب والجريمة المنظمة.

 

وبمعنى آخر ومن منطلق أن "اليمن واحد" فالمفترض أن أصحاب الكثافة السكانية والمساحة الأقل هم من يدعم ويساند أصحاب الكثافة الأقل والمساحة الأكبر وليس العكس.

 

تحرير محافظات الجنوب من الاجتياح الانقلابي العفاشي الحوثي وعلى أيدي الجنوبيين الذين لم يتعلموا استخدام السلاح على مدى ربع قرن ولم يخوضوا حروبا على مدى عقود، بدعم ومساندة التحالف العربي، وفشل "الجيش الوطني"  وسكان محافظات الشمال البالغ عددهم فوق العشرين مليون معظمهم ماهرون في استخدام السلاح وخوض المعارك الحية والمباشرة والحاصل على دعم ومساندة دول التحالف العربي، أيضا، أقول أن الفشل في التحرك ما بعد فرضة نهم على مدار  ثمانية وعشرين شهراً يحمل معاني أخرى لا علاقة لها بالشجاعة والمهارة والقدرة القتالية والتكنولوجية والدعم الخارجي.

 

شخصيا ما زلت أؤمن أن ممكنات هزيمة الطرف الانقلابي متوفرة في الشمال أكثر منها في الجنوب  نظرا لضيق مساحة انتشار قوات التحالف الانقلابي وكثافة السكان المفترض انخراطهم في مقاومة هذا التحالف، لكن هناك أسباب غير مرئية هي ما يؤخر حسم الأمر وهزيمة المشروع الانقلابي.

 

من العسير التشخيص الدقيق لهذه الأسباب والقول الفصل فيها لكن من الواضح أن أهم الأسباب تكمن في:

 

١. هشاشة التحالف (اليمني) المؤيد للشرعية وتداخل أجندات الشركاء فيه بل وانصراف البعض للعمل ضد البعض الآخر، وما حصل مع القادة الجنوبيين المؤيدين للشرعية ليس إلا دليلا على أن هناك أطرافاً بدأت الاستحواذ على نتائج الانتصار قبل اكتماله، فكيف سيفعلون لو وصلوا صنعاء؟

 

٢. انصراف بعض حلفاء الشرعية اليمنيين إلى تصفية حسابات مع بعض دول التحالف العربي، وليس ما تتعرض له دولة الإمارات من شيطنة وتهجم واتهام على يد ولسان البعض إلا مؤشراً على أن هناك من لديه الاستعداد للتضحية بالشرعية وبالدولة المخطوفة في سبيل التشبث بمواقفه الأيديولوجية والحزبية.

 

٣. انصراف الكثير منم مؤيدي الشرعية للاستحواذ على المناصب والألقاب الوظيفية وترتيب أوضاع الأبناء والأقارب والزوجات والصهور، على حساب المعركة مع التحالف الانقلابي، وبكلمتين استفحال الفساد داخل بنية الشرعية قبل حتى بسط سيطرتها على محافظة من المحافظات اليمنية الـبالغ عددها 22.

 

4. هناك ظاهرة يمنية متأصلة في سلوك الكثير من المحاربين والسياسيين اليمنيين وفي كل تاريخ الحروب اليمنية التي لم تتوقف وهي ما أسميه بـ"الاستثمار في الحروب" وهذه الظاهرة هي ما صنعت المليارديرات من اثرياء الحروب، هؤلاء الطواهيش موزعون بين الشرعية والانقلاب وهم لا يستطيعون العيش بدون حروب لأن الحروب هي مصدر تضخم ثوراتم الذي لا يريدون أن يتوقف عند حد،  ومع يقيني أن مقولة إفلاس المملكة السعودية ودولة الإمارات الشقيقتين هي دعاية فارغة، لكن لو افترضنا صحتها فإن سببها سيكون (لا سمح الله) هم تجار الحرب اليمنيين.

 

5. هذه الأسباب متضافرة أدت إلى سبب خامس وهو ضعف جبهة الشرعية وسوء أدائها على الصعيدين العسكري والسياسي فلا هي نجحت في تحقيق تفوق ميداني في مواجهة التحالف الانقلابي على طريق استعادة الدولة، ولا هي أحرزت نتائج ملموسة على طريق بناء الدولة وإعادة الخدمات المفقودة والأمن المتدهور في المناطق المحررة لتقدم بذلك مؤشراً يغري أبناء المناطق غير المحررة للتحرك باتجاه هزيمة المشروع الانقلابي.

 

وكما أقول دائما أن السبب الرئيسي لثبات التحالف الانقلابي واستبساله ليس تفوقهم العسكري ولا التقني ولا الإخلاقي ولا الدبلوماسي بل سؤء أداء السلطة الشرعية عسكرياً وتقنياً وإخلاقياً ودبلوماسياً.

 

وأخيرا أؤكد أن المحافظات المحررة ما تزال بحاجة إلى أبنائها للحفاظ على الأمن ومواجهة الخطر الانقلابي الذي قال رئيس الوزراء أنه على بعد 50 كم من العاصمة عدن، ناهيك عن بقاء العديد من المناطق الخاضعة لهذا التحالف.