بعد حرب احتلال الجنوب في 1994 قال عبدالكريم الارياني، رئيس وزراء العربية اليمنية حين ذاك (لقد ابتلعنا الجنوب ولم يبق لنا الا هضمه) وبينت الوقائع لاحقا عن عملية الهضم التي قصدها الارياني فهي في اكبر صورها تمثلت في تفتيت كل مؤسسات الجنوب، عدى البنك الاهلي اليمني (لاسباب تتعلق بالاعتمادات التي يدرك تفاصيلها رجال البنوك)، وفي تسريح كل العسكريين والمدنيين الجنوبيين من اعمالهم كقوى زائدة عن الحاجة تم تسميتها(قوى فائضة) وتم استبدال المبعدين الجنوبيين بموظفين وافدين، وصولا الى اصغر صور هذا الهضم الذي طال اسماء المدارس وحتى الشوارع الازقة في الجنوب، وما بينهما من صور البسط والنهب الممنهج لكل ما تقع عليه العين في الجنوب(ارض الميعاد) كما راها (الاخوة الاعداء) في العربية اليمنية.. وهكذا فالجنوب كان في حالة هضم متعسر منذ 1994
شملت عملية الهضم تلك ضرب كل صور المدنية في الجنوب و تخريب قيم المجتمع التي كانت ترى في الرشوة والسرقة (عيبا) قبل ان يعاقب عليها القانون، حتى نظام المرور كواحد من مقاييس رقي المجتمعات (دحبشوه) والغوا اشارات المرور الضوئية بوصفها تعكس واحدة من صور ثقافة الانضباط لدى الانسان الجنوبي.
لم يثر الشارع الجنوبي من فراغ، وطوال سنوات الانتفاضة السلمية الجنوبية في مواجهة العبث في الجنوب، كان هاجس الحركة الوطنية الجنوبية هو الخروج بقيادة ومشروع يحظى باغلبية جنوبية، وجرت محاولات كثيرة للتوحيد الا انها تعثرت بسبب بعض النخب الجنوبية وهكذا كانت فعالية 4 مايو التي منحت للاخ عيدروس الزبيدي تفويضا بالتشاور لتشكيل قيادة جنوبية برئاسته، لكن ما هي الاسباب التي اوصلت الى 4 مايو؟.
في اطار الجهود التي كانت تبذل لتوحيد الحركة الوطنية الجنوبية كانت هناك لجنة تم تشكيلها من قبل نخب جنوبية (لجنة التنسيق) برئاسة الاخ العميد على الشيبة واجرت كثير من الاتصالات مع كل الاطراف واطلعت على وثائق التكتلات الجنوبية، الهيئة الوطنية والمؤتمر الجامع والجبهة الوطنية الجنوبية والبرلمان الجنوبي.
خلال تلك الفترة تمت دعوة الاخ عيدروس الزبيدي للعمل على تأسيس حامل سياسي جنوبي وتشكلت اللجنة الفنية، وكان عدد من اعضائها ينتمون الى لجنة التنسيق وانجزت اللجنة الفنية الوثيقة السياسية والية اختيار مندوبي المحافظات وكل اعمال اللجنة الفنية والمشاورات التي اعقبتها كانت تتم برعاية مباشرة من قبل الاخ عيدروس الزبيدي صاحب دعوة الحامل السياسي.. وتم تاجيل الاشهار الى ان يتم اطلاع فخامة رئيس الجمهورية على تفاصيل الحامل السياسي وتاخرت فرصة لقاء الرئيس، لكن اللجنة كانت تصر على ضرورة مقابلته، هذا بالرغم من الضغوط التي كانت تمارسها القوى الجنوبية للاسراع في اشهار الكيان السياسي.
عندما صدر قرار رئيس الجمهورية باعفاء الاخ عيدروس الزبيدي من مهامه كمحافظ لعدن، وحفاظا على ما تم انجازه في شان الحامل السياسي تداعت القوى الجنوبية وتمت الدعوة لفعالية 4 مايو التي منحت الاخ الزبيدي تفويضا باختيار قيادة جنوبية برئاسته لقيادة العمل السياسي الجنوبي خلال المرحلة القادمة.
بغض النظر عن التاويلات او الشطط الذي مورس من قبل هذا الطرف او ذاك فان الأشقاء يعلمون والعالم يعلم وفخامة رئيس الجمهورية يعلم ان ابناء الجنوب يقدمون الشهداء منذ 1994 من اجل الاستقلال وان المقاومة الجنوبية في كل جبهات مواجهة حرب الحوثي وعفاش كانت ترفع علم الجنوب ويعلم ذلك ابطال المملكة والامارات وباقي دول التحالف الذين امتزجت دمائهم الطاهرة بدماء شهداء المقاومة الطاهرة، ولا اظنكم ياسادة ترون ان الدماء الجنوبية التي تسيل والشهداء الذين يسقطون والسحل والسجن والتشريد منذ 1994كان للتسلية، ومن يرى الامر كذلك فعليه مراجعة قواه العقلية.
لا نريد ان نطعن في ذمة احد من الأشقاء في العربية اليمنية لكن الوقائع على الارض تتحدث عن نفسها، ولا يعتقدن احد ان المجلس الانتقالي الجنوبي يعبر عن أعضاءه، فهو تعبير عن ارادة جمعية جنوبية والبلاغ الصحفي الصادر عن اجتماعه الاول يبدد مخاوف اي طرف بما في ذلك الأشقاء والأصدقاء.. ربما يقلق من لا يزالون يرون الجنوب وجبة قابلة للهضم..
الجنوب وقواه الوطنية حاضن حقيقي للأشقاء وحليف يمكن الاعتماد عليه ونقول لكتاب النظرة الضبابية ان خروج التحالف من هذه الحرب بدون تامين ومساعدة الجنوب سيكون (كالخروج من المولد بلا حمص) كما يقول اخوتنا في مصر..
تحية اجلال لكل الشهداء وتحية لرئيس وأعضاء مجلسنا الانتقالي الذين يقودون الثورة الجنوبية في ادق مراحلها، سيروا على بركة الله فشعبكم لن يخذلكم..