الصدمة والرعب !

2013-02-17 21:34

الصدمة والرعب !

بقلم / علي منصور أحمد

حين سماعي يوم امس “البيان الرئاسي” لمجلس الأمن في الجلسة رقم 6922 بخصوص المرحلة الانتقالية اليمنية وعلى ضوء المشاورات المغلقة لأعضاء المجلس في يوم الخميس الماضي، الموافق 7 فبراير 2013م . الذي القاه المندوب الدائم لجمهورية كوريا الجنوبية السفير “كيم سوك” رئيس مجلس الأمن الدولي خلال دورة شهر فبراير الجاري وما سمعته من وصف احدى الصحف الامريكية التي شبهته بعلاج “الصدمة والرعب” عادت بي الذاكرة الى حرب اجتياح العراق وعملية خلع “صدام حسين” ونظامه عام 2003م

 

عندما كان يحاول ديكتاتور بغداد “صدام حسين” أن يتملص من عمل فرق التفتيش الدولية على اسلحة “الدمار الشامل ” التهمة التي جلبتها غطرسة وكبرياء وشطحات الرجل وأتباعه حين كان يتباهى بها مع انه لا يملك اي شيء منها يذكر كما تكشف الامر بعد سقوطه واجتياح العراق من قبل القوات الامريكية والبريطانية التي اكتسحت كامل التراب العراقي خلال “21يوما” من العام 2003م , وبسبب غرور وغطرسة الزعيم “المهيب الركن” وعدم مبالاته بمناشدات الاشقاء والاصدقاء وسخريته من الكل بما في ذلك استهجانه بأكثر من (14) قرار دولي صادرة عن مجلس الامن لم يعيرها المهيب الركن أي اهتمام رغم الحصار الذي فرض عليه لأكثر من (12) عام وازدياد معاناة شعبه التي اودت بحياة اكثر من (مليون ونصف طفل) لقوا حتفهم جراء سوء التغذية وقل الادوية , وعندما كان الدكتور محمد الصحاف يتحدث عن انتصارات جيشه المتقهقر الى الوراء ويتوعد جيش” العلوج” كما اسماهم وهو يقطع الافعى الى اوصال في تصريحاته الصحفية , وبينما كان صدام يرقص امام الكاميرات في شارع تشرين مع من تبقى من حراسته على انغام انشودته المحببة  (الشباب نزلوا نزلوا عالميدان .. بقيادة ابو عدي قائدنا صدام )كانت الافعى قد اطلت براسها لتقتلع تمثاله الضخم الواقع بحديقة فندق فلسطين المجاور للشارع الذي كان صدام يقيم فيه (حفلة الزار) الاخيرة , والذي اختفاء بعدها ونظامه الديكتاتوري عن المشهد العراقي وعن حياة العراقيين الى الابد , وبالمناسبة كان اسم العملية التي اختارتها دول الغرب لعملية خلع “صدام حسين” قد سمية بعملية (الصدمة والرعب)  !

 

ومن الاهمية بمكان ونحن نستعرض مدلولات وتبعات مخاطر الفهم الخاطئ في التعامل مع البيان الرئاسي لمجلس الامن الدولي لا بد من فهم الرسائل التي اراد مجلس الامن الدولي ان يبعثها الى اكثر من جهة والى اكثر من طرف  وسنقتصر استعراض الرسائل التي بعثها المجتمع الدولي على الصعيد الداخلي وهو محور حديثنا اليوم واهمها :-

 

الاولى شمالية مفادها على الرئيس المخلوع  ان يسقط من رأسه كل المراهنات الخاسرة على أفشال العملية السياسية , وحنين العودة الى السلطة وتشبثه بالزعامة واعلان دولي صريح “لفك الارتباط” بين صالح والمؤتمر , واتاحة الفرصة لحزب المؤتمر ان يستغل المناخ الجديد للتحول السياسي الى حزب سياسي بدلا من وظيفته السابقة كمؤسسة تابعة لسلطة الاسرة والقبيلة !

 

والرسالة الثانية جنوبية , لما توعد وهدد به من اجراءات عقابية صارمة  , وتمثل دعوة  “لفك الارتباط” بين البيض والقضية الجنوبية والقاء حجر في نهر الحراك الجنوبي , لتحريك المياه الراكدة , واعطاء الجنوبيين الفرصة للاستفادة من مناخات التغيير التي هبت رياحها على معظم دول المنطقة , والتحرك الجنوبي الايجابي للتعاون والتعامل مع جهود المجتمع الدولي ومحاولاته الحثيثة لإيجاد لغة مشتركة من التخاطب , واستلهام رسائله العديدة التي بعث بها مؤخرا من خلال الوفود الدولية العديدة التي زارت عدن وكان اهمها زيارتان للسيد جمال بن عمر مبعوث الامم المتحدة وزيارة وفد سفراء مجلس الامن الدولي والدول العشر برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية في الخامس من نوفمبر 2012م ولقاءاتهم بمكونات الحراك الجنوبية , في اول رسالة من المجتمع الدولي للاعتراف بالقضية الجنوبية وطمأنة الجنوبيين بحل “القضية الجنوبية” والاعلان عن فتح الاتصال والتواصل المباشر بين المجتمع الدولي بمختلف مؤسساته المعنية والجنوبيين , أن وجدوا !

 

وبهذا البيان الرئاسي لمجلس الامن الدولي بشأن الازمة في اليمن , حيث استجاب 14 عضوا في مجلس الأمن الدولي لطلب روسيا إجراء تعديلات على البيان الرئاسي الخاص بالأوضاع في اليمن والذي أعدته بريطانيا.

 

وطبقا للإجراءات، فإن البيان الرئاسي يمر بـ “مرحلة صمت” حتى توقيت محدد يتفق عليه الدول الأعضاء، ويعتبر نافذا طالما لم يعترض عليه أي عضو من أعضاء المجلس حيث يتطلب إصدار البيان الرئاسي الموافقة الجماعية لأعضاء المجلس الخمسة عشر دون استثناء.

 

ذكر البيان الرئاسي أن مجلس الأمن “أحيط علما بالادعاءات المستمرة ضد الرئيسين اليمنيين السابقين علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض، وبعض الأفراد والجماعات التي تتلقى المال والسلاح من خارج اليمن لغرض تقويض عملية الانتقال”.

 

وأكد البيان الرئاسي استعداد مجلس الأمن للنظر في اتخاذ مزيد من التدابير، بموجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لمواجهة الإجراءات التي تهدف إلى تقويض حكومة الوحدة الوطنية ومواصلة عملية الانتقال السياسي”.

 

وبهذا يكون مجلس الامن الدولي ولأول مرة في تداولاته لبحث الازمة السياسية في اليمن , قد تجاوز عادته في العلاج بالمسكنات المهدئة , باستخدامه هذه الجرعة الشديدة من علاج ” الصدمة والرعب” كما وصفتها يوم امس احدى الصحف الامريكية  في سياق تعليقها على البيان الرئاسي لمجلس الامن الدولي بشأن الازمة في اليمن .

 

فمن خلال هذا البيان يكون مجلس الامن الدولي قد اسدل الستار النهائي الذي لا رجعة عنه , على المستقبل السياسي لكل من صالح والبيض واتباع كل منهما من المشمولين بقائمة مصفوفة العقوبات الدولية .

 

وما يعنينا هنا في استعراض مدلولات البيان الاممي , هو ما ينبغي ان يتفهمه ابناء الجنوب تحديدا , فيما نلمسه من التفاتة غير مسبوقة من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية ورفع مستوى درجات  تعاملها مع  الشعب الجنوبي  مباشرة التي وردت نصيا في هذا البيان وخلت منه مفردات , مسمى “الحراك الجنوبي” عل وعسى ان يلتقطوا هذه الرسائل والفرص الاممية المتاحة والسانحة اليوم , ومحاولات الجوار الاقليمي والمجتمع الدولي للملمة شملهم وتحقيق وحدة الصف الجنوبي , والأجماع على قيادة رشيدة تقودهم خلال هذه المرحلة الحساسة والدقيقة , بعد أن حسم المجتمع الدولي أمرة بما تضمنه “البيان الرئاسي” لمجلس الامن الدولي الاخير بشأن مستقبل العلاقة في التعامل مع “البيض” ووضع الجنوبيين امام خياران لا ثالث لهما أما التوحد فيما بينهم ومد اياديهم للمجتمع الدولي لبحث ما يرتضونه من ممكنات الحلول السلمية المتاحة لحل قضيتهم , وفقا والقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها , واما السير وراء سراب “الزعامة الوهمية ” غير المتوجة – والشعارات الثورية الفارغة واللحاق بدخول نفق القضية الفلسطينية , مع احترامي لتضحيات الشهداء والمعتقلين من ابناءه الابرياء الطيبين !

 

تابعنا ردود الافعال على بيان مجلس الامن الدولي وكان رد حزب الرئيس المخلوع بمستوى فهم خطورة تبعات البيان الدولي على مستقبل “صالح” شخصيا وأن كان البيان قد استهدف في رسالته الموجهة الى الشمال “بفك الارتباط” بين صالح والمؤتمر اذا يريد حزب المؤتمر ان ينتقل من مؤسسة سلطوية الى حزب سياسي يمكنه ان يستفيد من العملية الديمقراطية لما بعد صالح !.

 

وقد اظهروا فيه مرونة سياسية من الترحيب والتجاوب مع المجتمع الدولي ومجلس الخليج والمبادرة الخليجية , وان كانت النيات معروفة مسبقا , ومشكوك في صدقيته , لما عرف به الرئيس المخلوع من حنكة في المكر والخداع والتلاعب في كل تعهداته المعتادة مع الاخرين , ما تميز به رد الرئيس السابق “صالح” وحزبه  , لغة جديدة من التهذيب الدبلوماسي الحذر ,  لم يقولوا ندين او نشجب او نستنكر او نرفض “البيان الدولي” كما فعل الاخرين .

 

مع الاسف لم يوفق مكتب البيض في رده على بيان مجلس الامن الدولي وهذا ما ينبغي ان يتلافاه الحراك الجنوبي ومكوناته عامة والتداعي الى الخروج والاجماع على صيغة سياسية عقلانية متزنة لا تسخر وتستهزئ بمجلس الامن الدولي ومجلس التعاون الخليجي والاسرة الدولية والا فأننا نغامر بمستقبل الجنوب وقضيته العادلة , اذا كان هذا هو منطق رموز الحراك الجنوبي مع الاسف الشديد !

 

نيلسون مانديلا كان ارهابي في نظر الغرب وهو سجين سياسي في جوهانسبرج وموصده عليه كل الابواب او الاتصال بالناس , ولكن لأنه صاحب قضية عادلة وخلفه شعب عظيم بقيادة المؤتمر الوطني الافريقي تحكمه منظومة مؤسسية متكاملة من الاطر والهيئات القيادية المتخصصة والكفاءات  السياسية المقتدرة , والبرنامج السياسي كامل الرؤية والعلنية والوضوح , مع انه كان يعمل “سريا” وكان معظم قادته اسرى او مطاردين , استطاع رفاقه بعقلانية طرحهم السياسي واحسانهم لتقديم قضية ورسالة شعبهم وزعيمه المعتقل “مانديلا” وكأقدم سجين في العالم “27سنه”  فتجاوب العالم المتحضر معهم , فخرج من الزنزانة الى كرسي الرئاسة في جنوب افريقيا .

 

واضطرت امريكا ان تفرش له السجاد الرئاسي الاحمر عندما وطأة قدميه العاصمة واشطن في اول زيارة خارجية له بعد خروجه من السجن وتوليه الرئاسة في جنوب افريقيا !

 

ومع أن المفارقات كبيرة بين ما اجترحه وعاناه وسعى من اجله وقدمه “مانديلا” ورفاقه , لشعبه !

 

وبين ما جلبه “البيض” لشعبه , بنرجسيته الفردية  المتزمتة ونزقه السياسي المغامر المتطرف , من مأسي وويلات لا تحصى ولا تعد , اغلاها خسارة “ضياع دولة” واكبرها كارثة “استباحة وطن” واشدها مأساة , تعريض شعبه  لما هو اسواء من “العبودية والاحتلال”.

 

فهل نستطيع ان نفعل ذلك بدلا من الشطحات الصبيانية والعنتريات المتطفلة والمغامرات غير المحسوبة , حيث ونحن  نرى ان هناك من يسوق شعبنا اليها بوعي او بدون وعي , ويجازف بمغامراته المعهودة بنضال ابناءه السلمي للدخول في  مواجهة مع المجتمع الدولي والاقليمي غير محمودة العواقب لا سمح الله ؟

 

ومتى نتحرر من العواطف الساذجة والبليدة في التعامل مع القضايا المصيرية الحساسة , التي تهم كل ابناء الجنوب عامة وتمس شعبه وناسه وتستهدف سيادة الوطن ومستقبل اجيالنا القادمة ونحسن قراءة وقائع المشهد السياسي الحالي لنضع مصلحة الشعب والوطن تسبق ما دونها من مصالح الزعامات الفردية , وجعل مصلحة الامة والوطن تعلو فوق كل اعتبار ؟ .