مع أنه بيان وليس قرار, ويعبر عن مجرد القلق من تقارير تفيد بأن العليين يعرقلان مسار العملية السياسية في اليمن, الا أن بيان مجلس الأمن الأخير والذي ذكر ولأول مرة وبالاسم علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض كمعرقلين للعملية الانتقالية يعد تطور خطير يجب أن يقرأه الجميع بطريقة صحيحة.
نعرف جميعاً أن الرئيس السابق صالح يسعى الى افشال المرحلة الانتقالية والى وضع الكثير من العراقيل أمام أي تغيير حقيقي ينقل اليمن الى وضع جديد, فالرئيس صالح هو رأس النظام الذي خرجت ضده الثورة وبالتالي فهو ضد كل ما أنتجته الثورة.
الغريب هو تحميل صالح وحده المسؤولية دون التطرق الى ذراعه اليمين, والرجل الأول في النظام وهو الجنرال علي محسن الأحمر الذي يمارس نفس دور صالح, بل أكثر خطورة منه لأنه يلتحف بلحاف الثورة, فإلى اليوم لا يزال الجنرال يمارس الكثير من الفساد المالي والإداري, ويدعم أخطر وأكبر مراكز الفساد, كما أنه سند للكثير من القوى التقليدية الدينية والقبلية التي تقف حجر عثرة أمام أي تقدم حقيقي, ولولا وجود صالح في المشهد لكان الصدام حتمياً بين تلك القوى وبين الرئيس هادي.
والأغرب في البيان هو حشر اسم الرئيس علي سالم البيض الذي لا يزال معارضاً سياسياً سلمياً ولاجئاً متنقلاً من دولة الى أخرى, ولم يعلن كفاحاً مسلحاً لتحقيق مطالبه.
باعتقادي أن ذلك يعد تطور خطير في دور مجلس الأمن الدولي ليس في اليمن فقط, إنما في المدى الذي أصبح فيه ذلك المجلس معبراً عن السياسة الأمريكية تحديداً, فعلي البيض معارض سياسي فر من بلده بعد حربٍ ظالمة أدارها نظام قمعي ضد مكون رئيسي من مكونات الشعب, والجميع يعترف بعدم شرعية الحرب, والنقاط العشرين التي أقرتها كل القوى السياسية تقريباً دليل على ذلك, وبما أنه لم يتم تطبيق تلك النقاط الى اليوم, اضافة الى أن معارضة البيض لا تزال سلمية من الناحية النظرية والعملية, اذاً فمعارضة مشروعة بل ومطلوبة ولا يجوز تجريمها أو التشكيك فيها, خصوصاً من هيئة دولية تعترف بكل مواثيق حقوق الانسان وأبسطها الحرية في المعارضة والعمل السياسي ضد أي نظام.
بيان مجلس الأمن الأخير يُظهر الى أي مدى أصبح هذا المجلس أداة لتنفيذ السياسات الأمريكية, وذراعاً لقمع كل من خرج عن المشروع الأمريكي حتى وإن كان يمارس نشاطه بطريقة سلمية.
من ناحية أخرى وإن كنا متعاطفين مع البيض وتياره ضد هذا البيان, لكن يجب عليهم أن يقرئوا الرسالة بشكل صحيح فيما يخص أدائهم السياسي على الأقل, فذلك البيان يثبت فشل ذلك الاداء الى أبعد الحدود, فعندما لا يجد ذلك التيار مناصراً واحداً في مجلس الأمن ليقف ضد اصدار البيان فمعنى ذلك أن هناك خللاً في الطريقة التي يطرح بها قضيته.
اعتمد تيار الرئيس البيض سقفاً عالياً من المطالب دون أن يقرأ المتغيرات الاقليمية والدولية, وحتى المتغيرات المحلية, ودون أن يضع أمامه خططاً تكتيكية تستدعيها الظروف.
على تيار الرئيس البيض أن يعرف أن هناك جزء – مهم - من الشعب في الجنوب مع اصلاح مسار الوحدة ويضع أملاً كبيراً في الرئيس هادي, لذلك كان بإمكان ذلك التيار رمي الكرة في ملعب الرئيس والقوى السياسية المحلية وأيضاً المجتمع الدولي عبر تحديد بعض المطالب كشرط لدخوله الحوار, ومن تلك المطالب اقالة رموز نظام صالح الباقين الى اليوم في أعمالهم, وتشكيل حكومة كفاءات لتضمن ادارة الحوار وتنفيذ مخرجاته, وتحييد وسائل الاعلام الرسمية والجيش والأمن عن الصراع السياسي حتى تدخل جميع الأطراف الحوار دون استقواءٍ بتلك المؤسسات الرسمية, والبدء بتطبيق النقاط العشرين, تلك الشروط الطبيعية والمعقولة بل هي أيضاً مطالب للكثير من القوى السياسية, لو وضعت على الطاولة أمام الجميع لكان ذلك التيار ضرب عصفورين بحجر واحد, كان سيضع الرئيس أمام اختبار صعب, وسيكسب الكثير من الحلفاء في الداخل, وسيحظى باحترام الكثير من القوى الدولية, وبالتالي ستكون هناك استحالة في تحميلة مسؤولية عرقلة المسار السياسي بغض النظر عن تنفيذ تلك الشروط من عدمه.
تيار الرئيس البيض يتعامل مع القضية الجنوبية بطريقة أيدولوجية, بمعنى أنه لا يناور سياسياً ولا يعتمد التكتيك في تعاطيه مع الملف, كما أنه لا يقرأ المتغيرات التي تحصل حتى في الجنوب خصوصاً بعد استلام الرئيس هادي – الجنوبي - مقاليد الحكم.
وفي الأخير هناك رسالة أرغب أن تصل الى المؤتمر الشعبي العام, عليه أن يدرس ذلك البيان جيداً – فهو أول الغيث - ليعرف أين أخطأ وأين أصاب؟ وهل فعلاً حان الوقت الذي يجب فيه أن يتخلوا عن صالح ليكسبوا هادي الى صفهم أكثر؟ ليتمكن الرئيس من التعبير عن المؤتمر كقوة سياسية موازية للقاء المشترك, بدلاً من وضع الرئيس في موقف يجعله محتاجاً للقاء المشترك في مواجهة صالح, وبالتالي ضياع المؤتمر أكثر فأكثر في تلك العملية.