عدن على عتبات مرحلة جديدة

2016-08-04 10:21

 

كانت عدن، وما زالت، المدينة التي لا تُقهر على مرّ التاريخ. فعلى الرغم ممّا عانته من ظلم، وجور، وتدمير، طالها في الحرب الأخيرة، إلّا أنّها نهضت كما تفعل دائماً، مستعيدة بذلك كينونتها، وقوّتها، وبعضاً من أمجاد الأمّة.

عدن، عاصمة الجنوب السابقة، والعاصمة المؤقّتة لليمن حاليّاً، تبدو الآن أمام عتبات مرحلة جديدة، في ظلّ إدارة الحراك الجنوبي لسلطتها، وهي تسعى لأن تتجاوز نكبة الحرب الأخيرة، ونكبات ربع قرن من حكم الرئيس السابق، علي صالح، الذي ساهم نظامه متعمّداً في تدمير كلّ شيء جميل في عدن، ابتداءاً بخمسة وسبعين مصنعاً تابعاً للدولة تمّت تصفيتها وتشليحها وطرد عمّالها إلى البيوت عقب حرب صيف 94 الظالمة، مروراً بكلّ مؤسّسات وشركات القطاع العام التابعة للدولة، وصولاً إلى المؤسّسات الخدمية، كالكهرباء، والماء، ومصافي النفط، وغيرها، ولم تسلم من التدمير المتعمّد ذاك، أيضاً، حضارة وآثار المدينة، ومتاحفها، ودور السينما، التي عرفتها عدن كأوّل مدينة عربية في المنطقة.

أمل يتشكّل

اليوم، الحراك الجنوبي أو الثورة الجنوبية الشعبية، وبعد نضال وتضحيات طويلة ومريرة، استطاعت أن تصل إلى قمّة هرم السلطة في عدن. وعلى الرغم من التحدّيات الكبيرة التي تواجهها، إلّا أنّها استطاعت، تحت قيادة اللواء عيدروس الزبيدي، أن تتجاوز العديد من التحدّيات بحنكة وصلابة لا مثيل لهما. فبعد النجاحات الكبيرة التي تحقّقت في الملفّ الأمني، يتمّ حاليّاً تجاوز التحدّيات في ملفّ الخدمات، وتستعدّ المدينة للبدء بملفّ إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الظالمة.

الحراك الجنوبي حركة شعبية واسعة، انطلقت في صورة ثورة شعبية العام 2007، من ساحة الحرّية في عدن، وما لبثت أن تمدّدت إلى كلّ المحافظات والمدن الجنوبية. وقدّم الحراك الجنوبي الآلاف من الشهداء والجرحى في سبيل الإنتصار للقضية الجنوبية، رافعاً مطلب استعادة الدولة.

وعلى هذا النحو، سارت فعّاليات الحراك السلمية، رغم القمع الكبير الذي واجهته من قبل نظام صنعاء، وعقب تمكّن الثورة الشبابية الشعبية من إسقاط الرئيس السابق، علي صالح، شاركت بعض فصائل الحراك في مؤتمر الحوار الوطني، وبرزت في تلك الأثناء وقبلها مشاريع عديدة، تحاول إيجاد حلّ للقضية الجنوبية، ومنها مشروع الإقليمين الذي أقرّه مؤتمر القاهرة العام 2011، ومشروع الثلاثة الأقاليم الذي طُرح عبر مبادرة شبابية في منتصف 2011 أيضاً، ثمّ مشروع الستّة أقاليم الذي تُوّج به مؤتمر الحوار الوطني، والذي أقرّ عبر لجنة مشكّلة من رئيس الجمهورية، بعد انقسام وانسحاب مكوّن الحراك الجنوبي من الحوار.

كلّ هذه المشاريع ما تزال مطروحة لحلّ القضية الجنوبية، في الوقت الذي تتمسّك فيه بعض المكوّنات في الحراك بفكّ الإرتباط.

شرعية الحراك

 

اليوم، يبقى السؤال الهامّ هو هل صار الحراك الجنوبي جزءاً من الشرعية اليمنية، بعد مشاركته الفاعلة في حرب 2015، ضدّ الحوثيّين وأعوانهم لدى غزوهم عدن وبقية مدن الجنوب، وخاصّة أنّه أصبح هو من يدير محافظات عدن ولحج المجاورة لها والضالع، وقياداته البارزة على رأس السلطتين العسكرية والمحلية في محافظة شبوة النفطية؟ وهل من المحتمل أن يحظى الحراك بقرارات جديدة من الرئيس هادي تدعم موقفه القادم، وصولاً إلى مرحلة التمكين في محافظات الجنوب كلّها، و في المؤسّستين العسكرية والمدنية، اللتين يُعاد تأسيسهما وتشكيلهما من جديد ربّما؟

 

خطوات

في الفترة الأخيرة، قفز الحراك قفزات نوعية، وأصبح يتحكّم بالأمور في الجنوب بشكل شبه كلّي، ويحظى بدعم التحالف العربي في إدارة السلطة ومكافحة الإرهاب وتثبيت الأمن واستعادة الحياة الطبيعية في مختلف محافظات الجنوب. وعليه، باعتقادي، أن ينتهز هذه الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية لصالح القضية الجنوبية، ضمن إعادة تشكيل الخارطة اليمنية الجديدة، والظهور بمظهر القادر على إدارة الدولة. وعدن هي المحكّ الرئيسي للحراك في النجاح الذي ينتظره كلّ الجنوبيّين.

*رئيس مركز مسارات للإستراتيجيا والإعلام