لماذا يضحى بالجنوب ليحيا الشمال؟

2015-12-22 01:13

 

ما الذي يلزم الجنوب ليتحمل ويلات ونكبات الشمال ،عبر التاريخ ،وهل قدر الجنوب ان يدفع ثمن مدنيته وقلة عدد سكانه وتمتعه بمساحة شاسعة وثروات واعدة ومبشرة ،فقط لأن الشمال مهدد بانفجار سكاني وبكثافة بشرية هائلة تزيد ثمانية أضعاف عن سكان الجنوب وهي كثافة لا تتناسب مع مساحته القليلة التي لا تعادل حتى نصف مساحة الجنوب مع ندرة في الثروة .

 

للجنوب تاريخ وجد وكتب قبل ان يوجد الشمال،وفي الجنوب كانت دولة ونظام وقانون قبل ان يعرف الشمال الدولة وقبل ان يسمع عن النظام والقانون مجرد سمع.

من هنا يبدو من غير المنطق ان يظل الجنوب رهينة للشمال وتخلفه و ملزما بامتصاص مشكلاته منذ عشرينيات القرن الماضي حتى اليوم.

 

في البدء فر الشماليون من شمالهم المتخلف الى الجنوب البريطاني المتحضر فاستقبلهم وفتح لهم أحضانه رأفة بهم وعملا بثقافته وتسامحه وانفتاحه على كل الأمم والثقافات ،حتى أصبحوا جزءا من نسيجه ،ولا شيء في هذا.

 

ثم تآمر الشمال على الجنوب ،منذ ستينيات القرن الماضي فخلق له مشاكل الهوية والتوجه ،وغذى الصراعات ،عبر عناصره ومخبريه الذين وصلوا وبفضل ثقة الجنوبيين المطلقة بالشمال إلى اعلي المراتب بل وتحكموا بالقرار الجنوبي طويلا.

 

وأخيرا دخل الجنوب مع الشمال في وحدة ظالمة لم تستوعبه حتى كشريك بل كملحق وقاصر ودخيل على أرضه التي اعتبرها الشمال أرض يمنية يسكنها بشر غير يمنيين جلبتهم بريطانيا من الهند والصومال والحبشة .

 

حاول الجنوب ان يستعيد كيانه في 94م بعد ان دمر الشمال دولته وأراد ابادته ومصادره حقوقه وقضا على ثقافته وحرف تاريخه فقامت قيامة الجميع في اليمن والمنطقة للتأكيد على ان الوحدة خط احمر لتعطي بذلك الشمال حق فعل مايريد مع المارق الجنوبي المتمرد، من يومها لم يستمع العالم كله لآهات وأوجاع الجنوب والجنوبيين ،بل تآمروا مع صالح وحلفائه ضد شعب أعزل وقيادة صدقت في تعاملها فلم تجد غير الخيانة والقتل والتآمر التي جعلتها مشردة في مختلف بقاع العالم.

 

اليوم يعيد الزمن نفسه فشل الشمال في بناء الدولة وفي الحفاظ على الوحدة وتكشفت للعالم تركيبة مجتمعه القبلي الذي لا ولن يتكيف بالمطلق مع مشروع الدولة ولو بعد الف عام ومع ذلك مازال البعض يعتقد ان على الجنوب ان يستمر في التضحية كي يبنى الشمال .

 

الجنوب كشعب وهوية وبعد كل المصائب التي لحقت به من علاقته بالشمال غير معنى في الاستمرار بدفع ثمن أخطاء غيره ومالم يحرص الشمال وأبناؤه في المقام الأول على بناء وطنهم والانتقال إلى مشروع الدولة ووضع أقدامهم على الطريق الصحيح فإن شعب الجنوب لن يرهن مستقبله ،ولن يضحي بطموحه ويتنازل عن حقه في الحياة وفي ان يكون جزءا من العالم الذي يمكن وصفه بالمتحضر ولو على الأقل أسوة بالشعوب الجارة.

 

لذلك على العالم ان يعي جيدا ان الجنوب قد وصل إلى نقطة اللا عودة في علاقته مع الشمال بسبب الشمال وأفعاله ،وبأنه قد قرر مصيره ،ووضع يده على أرضه ولن يسمح بان تستباح مرة اخرى ،ومن هنا فعلى الشمال أولا ثم على الأشقاء العرب وفي مقدمتهم دول التحالف العربي إن يعوا هذه الحقيقة وان يساعدوا الجنوب لبناء دولته ليكون على الجنوب بعد هذا ومن منطلق واجبه نحو جيرانه ان يساعد القوى المدنية الحية في الشمال على ان تقيم دولتها.