تقرير : ما بعد جنيف 2: مفاوضات الفرقاء هل هي مخرج للسلام أم مدخل لأزمات جديدة؟

2015-12-21 12:30
تقرير : ما بعد جنيف 2: مفاوضات الفرقاء هل هي مخرج للسلام أم مدخل لأزمات جديدة؟
شبوه برس - خاص - دبي

 

مبادرة السلام بين الفرقاء اليمنيين التي عقدت في جنيف لا تعد توجهاً جديداً وإنما هي تكراراً لمبادرات سابقة فشلت في وضع حد للصراع داخل اليمن. كما أنها لا تتضمن بنوداً جديدة بل تعد نسخة مكررة لنفس الأطروحات التي طرحت من سابق عبر ذات الوجوه وبنفس التوجهات السياسية وقد امتد الأمر ليحصد نفس النتائج للهدن السابقة من خروقاتلوقف اطلاق النار داخل جبهات القتال وتبادل الاتهامات بعدم الالتزام العسكري والانساني في ميادين المواجهة بين الطرفين. لم يتغير شيء في جنيف 2 سوى رقمها وقد تعد الحلقة الثانية لحلقات قادمة سواء في سويسرا أو دول أخرى.

 

ما هو الجديد الذي ستتضمنه هذه المبادرات المتلاحقة لحل الأزمة اليمنية؟ في الوقت الحالي لا يوجد أي جديد يذكر سوى متابعة المسلسل اليمني الغاية في الدرامية عبر مراقبة تحركات الوفود اليمنية أثناء دخول سويسرا أو الخروج منها.

العنصر الجديد الذي قد توفره أية مبادرة محتملة هو التأكيد على إنجاح الهدنة بالرغم من المنغصات السياسية أو العسكرية وهو أمر قد فشل في السبعة أيام الماضية وقد يتعرض لفشل مماثل في الأيام القادمة بعد تجديد الهدنة.انعدام الخروقات الأمنية قد يبدو مستحيلاً في ظل الحشود العسكرية الضخمة من الطرفين والعناصر المسلحة داخل اليمن سواء أفراد أو قبائل أو تنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش.

 

غياب مراقبة حكومية أمنية شاملة ودقيقة سواء داخل المحافظات المحررة من الحوثيين أو خارجها، وانتعاش تجارة تهريب السلاح خلال الشهور الماضية، والتنقلات المشبوهة للجماعات الجهادية من مدينة لأخرى داخل اليمن بين الحين والآخر ومن أقصى اليمن إلى أدناها لتنفيذ عمليات إرهابية فجائية تشير كلها إلى أي هدنة مقترحة داخل اليمن غير قابلة للتطبيق، وأن النهج الحالي في عقد اتفاقيات السلام والمصالحة بين المتناحرين في اليمن يعد نهجاً غير صالح وفي حاجة للتغيير.

 

تصريحات القيادات الحوثية والمؤتمرية التي تزامنت مع المبادرة أكدت على عنصرين أساسيين: الأول لا انسحاب من الأراضي التي يتواجدون فيها حالياً والثاني لا وجود بتاتاً لنية لنزع السلاح الذي يمتلكونه. مما يعني أن الهدنة لن تحول دون إعادة وتجدد الصراع العسكري والسياسي داخل اليمن.

 

لماذا إذن كل هذا الاحتفاء الدولي الإعلامي والسياسي بجنيف 2 وكأنها نهاية النفق المظلم لمستنقع الصراع داخل اليمن؟

هذا الاحتفاء يعكس بلا شك الضغوط التي مارستها الأطراف الدولية المختلفة سواء عبر الأمم المتحدة أو بشكل منفرد لوقف ضربات التحالف العربي الخليجي على اليمن وإنهاء الحصار الجوي والبحري. ووضع نهاية للدور الخليجي الذي تقوده كل من السعودية والإمارات داخل اليمن.

 

هذه المبادرة ترتبط بمواقف ومصالح دولية ولا ترتبط فقط بأطراف النزاع داخل اليمن فهي لا تتعلق بعبدربه هادي أو عبد الملك الحوثي أو صالح وإنما بمصالح القوى في المنطقة. إنكار كل من الإدارتين الأمريكية والبريطانية وجود أية دوافع خاصة بهما لاستمرار النزاع أو إيقافه كلام لا يعقل ولا يرتبط بشكل منطقي بالواقع الحالي. الخيوط التي تكشف عن وجود تدخل خارجي من قوى دولية ستتضح معالمها في الأسابيع المقبلة ولن تتوقف فقط أهداف هذا التدخل على المبررات المعلنة في التخلص من قيادات القاعدة وهو ما تروج له الحكومة الأمريكية أو وضع حد لتمدد داعش في المنطقة وإنما الأمر يتعلق بمصالح جيوستراتيجية أكثر عمقاُ وعلى المستويات السياسية، الأمنية والاقتصادية. فاليمن إحدى محطات الصراع في المنطقة إلى جانب كل من سوريا والعراق وهي وإن تبدو للمراقب العادي حلقات منفصلة إلا أنها في واقع الأمر غاية في الاتصال وأي تأثيرات في إحداها قد تمتد بشكل مباشر إلى الأخرى.

 

اختلاف الدور الخليجي في اليمن وتميزه على النطاقين العسكري والسياسي عن الدور الحالي لدول الخليج في كل من العراق وسوريا بؤر التوتر الرئيسية في المنطقة قد تعكس اختلاف في المصالح والأهداف بين الدول الثلاث إلا أن أحدث التحركات في المنطقة من قبل روسيا وتركيا وأعضاء حلف شمال الاطلسي تؤكد على تشابك المصالح وعلى نوعية الضغوط التي تُمارس من قبل بعض أعضاء المجتمع الدولي على دول الخليج لدفعها نحو التخلي عن ميدان المعركة في اليمن بهدف استعادة التوازن السياسي في المنطقة كجزء من خدمة مصالحهم.

موافقة الحوثيين وصالح على حضور جنيف 2 جاءت متناغمة مع مواقفهم ومطالبهم ولم تأت متناغمة مع مطالب حكومة الشرعية التي يترأسها هادي وبحاح فليس هناك موافقة مبدئية أو حتى آلية واضحة على تطبيق القرار 2216 الذي وضعته الحكومة الشرعية كحجر زاوية وأساس عملي لأية اتفاقات مقبلة مع الحوثي وصالح.

جنيف 2 بالنسبة للتحالف وتحديدا دول الخليج هي محطة مهمة للمراجعة والتخطيط بشأن الدور المستقبلي لهم داخل اليمن على الصعيدين العسكري والسياسي. فهي بالتأكيد ستقود إلى تغير كبير في رؤى ووجهات نظر دول التحالف وتحديداً السعودية والإمارات بشأن حدود هذا الدور وفي ظل استمرار تواجد الجبهة الحوثية المؤتمرية كإحدى الركائز الأساسية في الواقع السياسي اليمني.

 

إعلان ما يعرف ب"تكتل القوى الوطنية الجنوبية " داخل الرياض في السعودية قد يشير إلى بداية بروز توجهات خليجية لإعادة تصور شكل الدولة والنظام السياسي  داخل اليمن خصوصاً في ظل وجود حاضنة شعبية كبيرة للتحالف في المحافظات الجنوبية وانعدامها او تواجدها بنسب ضئيلة في محافظات شمالية إلى جانب استمرار المواجهات العسكرية في تلك المحافظات حتى هذه اللحظة. إضافة إلى ذلك فإن تعيين قيادات بارزة من الحراك الجنوبي وهما عيدروس الزبيدي وشلال شايع كمسؤولين من الدرجة الأولى داخل عدن والأخير هو من  كان يقود منابر الاعتصامات في خور مكسر لدعوة الجنوبيين للمواجهة والاستعداد لتغيير المقاومة من النهج السلمي إلى الكفاح المسلح قبل الدخول الحوثي لعدن، يؤكد أن خيار الانفصال قد يعد إحدى الخيارات المحتملة مستقبلاً.

 

الخليج لن يقطع مهمته غير المنتهية داخل اليمن بعد أن تكبد خسائر عسكرية ومادية وبشرية خلال هذه الحرب الأهلية الدامية فالخروج عسكرياً أو سياسياً يعني ارتداد في الموقف الخليجي خصوصاً على الصعيد الجيوستراتيجي.

الصيغ التنموية التي تتبناها كل من الإمارات والسعودية داخل اليمن قد تشكل مدخلاً سلمياً في الوقت الحالي لدعم وتعزيز مواقفهم السياسية والعسكرية سواء بالنسبة للرأي العام المحلي أو الرأي العام العالمي ولكن في ظل عدم اتضاح الرؤية العسكرية بشكل حاسم قد يتطلب الأمر صيغ سياسية جديدة خلاف جنيف 2 للسيطرة على الوضع الأمني في اليمن الذي يعد مهدداً للأمن الخليجي بشكل كبير.

 

وهذا بالفعل ما يشكل الهاجس الأساسي في حالة اليمن حيث أن فقدان التخطيط السليم لمرحلة ما بعد انتهاء الصراع قد يقود إلى إعادة حلقة الصراع من جديد وهناك العديد من السوابق الماضية التي تؤكد احتمال حدوث ذلك والتي ترتكز معظمها على غياب الاتفاق بين القيادات النخبوية وإجراء الاتفاقات في نطاق دوائر سياسية ضيقة ومغلقة لا ترتبط بالفئات المجتمعية المختلفة مما يفقدها المصداقية والديمومة.   

 

اليمن ليست فقط هادي وعبدالملك الحوثي وصالح بل هي شعب بأكمله يتمثل في كيانات مختلفة بعضها متجانس وبعضها متنافر سواء سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً وهذا الشعب في حاجة لمن يفهمه ويستوعب معاناته وأهدافه المستقبلية خصوصاً الأجيال الجديدة التي تشكل الركن الأساسي لمستقبل اليمن.

جنيف 2 وما سيلحقها من حلقات ليست الحل الحقيقي لأزمة اليمن، ولابد من البحث عن مداخل مختلفة للتواصل مع الشعب اليمني عبر المواطن اليمني العادي الذي هو أكثر من يعاني حالياً من ضياع مستقبله وغياب الأمان.

*- بقلم : د. هيفاء المعشي

21-12-2015