هل الضالع معجزه.. وهل تكرر إنتصارها في عدن

2015-12-10 19:10

 

كثيرون في الجنوب منبهرين بما حققته الضالع في هذه الحرب وأنا لست منهم، فأنا لست منبهر ولكني فخور. الإنبهار يكون بالمعجزات والخوارق الإستثنائية أما الفخر يكون بالإنجاز والإنتصار وهذا سلوك بشري يحدث في كل زمان ومكان ويدل على الإخلاص للهدف والإستعداد للتضحية في سبيلة على خلفية من التخطيط السليم والقياده القادره. الضالع أحدى قصص الجنوب التى يجب أن تروى لكن في أطارها الصحيح وليس بالخروج بها إلى فنتازيا الخيال كما تنحو الثقافة الشمولية التي ترتكز على التمجيد والتهليل والتطبيل بل والتزوير وقلب الحقائق التي في حالتنا هذه تأتي لإرضاء عاطفة الجماعة المتأججة، وفي حالات أخرى لإرضاء الحاكم أكان فرداً دكتاتورياً أو حزباً شمولياً، وتكره التحليل والتمحيص الذي هو تجلي للثقافة الليبرالية وبه تُكشف النقائص والثغرات والعورات لإصلاحها وتجاوزها ويكون محرك نحو التعلم والتطور. من هذه المنطلقات سأضع كشافي على الضالع ويبقى هذا جهد شخصي ممكن يصيب وممكن يخطئ لكنه محاولة في فهم هذه المنطقة بشكل مبسط ومختصر وفي نقاط محدوده.

الضالع حسب التقسيم الجغرافي الجنوبي مديرية صغيرة المساحة مكتظة بالسكان وهي جغرافياً أمتداد للهضبة الجبلية اليمنية وجوها معتدل ومجتمعها في معظمه غير قبلي بل يتشكل من عوائل وأسر تتجمع في قرى على جبال هذه الهضبة، والمجتمعات القروية عادةً تميل إلى الدعة والسكينة وتنحو نحو التقاليد المدنية اكثر من التقاليد القبلية، وحتى القبائل الموجوده في الضالع فأنها تطبعت بطباع مجتمعها وثقافته وتقاليده والمظهر القبلي فيها ربما لازال حي في نواحي القرابة والتكافل الإجتماعي أكثر منه للعصبية والثأر. الشخصية الضالعية برغم تكوينها هذا إلا انها شخصية شجاعه، وتجد في الضالعي الإقدام والإستعداد للتضحية والقدرة على الإنضباط والتنظيم وهذا يخالف طبيعة المجتمع القروي ذو النزوع المدني فيا ترى ماهو سبب هذه التكوين - وأنا هنا لا أنفي عن المجتمعات القروية الشجاعة والإقدام ولكن أقصد أن سلوكها في العموم ينزع للسلام لا للعنف-. التفرد في الشخصية الضالعية له جذور ترتبط بالجغرافيا والتاريخ أكثر من التكوين الإجتماعي ذلك أن الضالع الصغيره تربض جنب الوحش الزيدي الكاسر الذي ترتبط معه بحدود لا تزيد عن ١١ كيلومتراً من سناح إلى جحاف أو شعاع الجبهة حسب التوصيف العسكري، وهذا الوحش يختلف عن الضالع مذهبياً والدين في بلادنا مشكل أساسي للثقافة والسلوك وبالتالي الأختلاف النفسي والشعوري، لذلك وعلى مدى قرون كان الخوف هو المحرك الأساس في الشخصية الضالعية أي:

- الخوف من الإحتلال - الخوف من الإضطهاد - الخوف على الدين أو المذهب وهو الرأسمال الرمزي للفرد والجماعة المشكل لهويتها وجوهر ثقافتها وتصورها للعلاقة بالله والآخر - الخوف من الذوبان في الآخر وفقدان كل تلك المزايا التي تعطي لهذا الإختلاف مع الآخر أبعاداً سيكلوجية وإجتماعية والتحول بالتالي لقن رعوي كما حصل في مناطق اليمن الأسفل. كل عوامل الخوف هذه ولّدت في شخصية الضالعي الحذر والقلق وبالتالي الإقدام والتضحية وظل هاجس الإختلاف مع الآخر والخوف منه هو المحرك اللاشعوري داخل هذه الشخصية، فحتى الإنجليز الذين وقفوا مع الضالع للتخلص من الإحتلال الإمامي ونجحوا بطرده في العام ١٩٢٧م لم يسلموا هم من حوادث قتل فردية كثيره في الضالع تحت حجة الوازع الديني. وحينما قامت الثوره أنخرط جل أبناء الضالع في صفوفها حتى أننا نستطيع أن نطلق عليها مجازاًقبيلة الثوره، وكانت الدوافع الشعورية لهذه الظاهره هي الشعارات القومية التحررية من الإستعمار لكن هنالك في الأعماق اللاشعورية لهذه الشخصية يسكن الخوف المتأصل من الآخر. بعد الأستقلال التقى الخائف المتوجس بالمضطهد المسحوق القادم من اليمن الأسفل وشكلا ثنائياً أصطدم مع الآخر الجنوبي وتصفيته من أجل الوحده التي كانت عنواناً برّاقاً يخفي السبب الجوهري وهو الثأر من القبيلي الزيدي وإخضاعه وحكمه وتمت التضحية بالجنوب لهذا الهدف. بعد الوحده وفشلها وخوض الحرب للإنفصال والعوده للدولة الجنوبية أنتصر القبيلي الزيدي وحكم اليمن كلها من رأس ضربة علي إلى حرض. صار اليمن الأسفل شمالياً محتلاً في التصنيف السياسي وأهله الطيبون وجدوا أرضاً أنتشروا فيها طلباً للرزق أما المتنفذ الزيدي فقد ضم بلاداً جديده للخراج والمكوس والثروات من كل صنف. الشعب الجنوبي كان يظن أن دولة النظام والقانون قادمه لذا بقي في حالة إنتظار أما الضالع الأسيرة لخوفها الأسطوري وهواجسها الإمتناهية فقد تكتلت منذ اليوم الأول للإحتلال وقالت لا ووقف معها شقيقاتها مديريات المثلث الغربي بدرجات متفاوتة وشكلت قطب الرحى في الرفض والمقاومة وصولاً للحرب والقتال والتحرير الذي سجلت فيه الضالع صموداً منقطع النظير أنتهى بإنتصار يحق للضالع الفخر به.

المعارك الكبرى في التصدي للغزو الحوثي وجيش صالح جرت في عدن وعدن مدينة فيها كل الطيف الجنوبي وفيها أستشهد العدني الأبيني واليافعي والشبواني والحضرمي لكن القليل من الضالع ذلك أن الضالع الرابضة على خط الجبهة مهمتها الضالع أولاً فأن أنكسرت شوكتها في الضالع فأنها لن تستطيع أن تفعل شي في أي مكان آخر لذلك الحفاظ على بوابة الجنوب أو مفتاحة هو مهمتها الأولى ونجحت نجاحاً منقطع النظير وهذا النجاح وتحت الإغراء المبهر بإستعادة الدولة قامت بحشد شبابها في وحدات عسكرية قتالية حازت إعجاب الجميع.

عدن التي توحدت في معركة كسر شوكة الغزو والعدوان عادت بعد النصر لمكوناتها الأولية وكلٍ عاد لمواقعة القديمة لتذهب المدينة لإنفلات أمني مريع وتردي في الخدمات وتسيدت الجماعات المتطرفة والتابعة منها لأجهزة الدولة العميقة في صنعاء المشهد في ظل الضعف الفظيع لأجهزة الدولة حتى وصلت لرأس المحافظ الشهيد البطل اللواء جعفر محمد سعد. لم يجد الرئيس هادي من بد من الإتكاء على الضالع التي حازت إعجاب الأشقاء أيضاً وعين قائد المقاومة في الضالع محافظاً وزميله مديراً للأمن. السؤال الإستراتيجي هل ستنجح في عدن المختلفة جذرياً عن الضالع؟!

هنالك عوامل نجاح وعوامل فشل دعونا نستعرضها هنا ولو بشكل موجز:

- تخلي الضالع عن خوفها الكامن تجاه الآخر وهو هذه المره الشقيق الجنوبي والخوف عادة يدفع للمضي حثيثاً للسيطره كحائط أمان تجاه هذا الآخر وأن أستمرت الضالع في هذا السلوك ستفشل.

- الإنتصار يخلق الغرور والخيلا وهذه طبيعة بشرية لذلك على عقلاء الضالع عقلنة دهمائها فالغرور ينحرف بالسلوك والممارسة السوية ويخلق أعدائه بشكل أوتوماتيكي منذ اليوم الأول.

- الرضى بأن الجنوب لكل مكوناته وكل مكون يحصل نصيبه في السلطة والثروه حسب حجمة الجغرافي والسكاني وحجم مساهمته في الدخل القومي لأن النزوع لأخذ نصيب أكبر يدفع الآخرين للمعارضه وبالتالي الصدام.

- القبول بالتخلي عن الشمولية في الفكر والسلوك وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية يضمن جنوب جديد مزدهر.

- الإبتعاد عن التعامل العنصري مع الشماليين ولتكن إدارة الصراع إحترافية وحكيمة لأن أهدار حقوق وكرامة الناس لا يليق بأحد ويجب أن لا تدفعنا هواجس الأمن وتأكيد الذات على الإضرار بالناس وحقهم في التنقل وطلب العيش وهم في الأخير أخوة لنا ناهيكم أننا لا نزال نعيش في بلد واحد.

هذه بعضاً من عوامل النجاح والفشل التي على الضالع النظر فيها ملياً لتكون في طليعة التأسيس لجنوب جديد يحميها من الجار المتوحش وتأخذها حقها في هذا الجنوب بالتمام والكمال.

وفي الأخير لابد من الإشاره أن الجماعات المتطرفة وأجهزه الدولة العميقة التابعة للمخلوع لازالت قويه جداً في عدن والجنوب والمواجهة معها ستكون صعبة وشرسة ولكن النصر مضمون أن تمكن أخوتنا من الضالع وقد صاروا قادة محافظة عدن من النظر ملياً فيما ذهبنا اليه في هذا المنشور.