من لم يدافع عن أرضه وفضل الهروب في حرب 94م لا يستحق الحياة
| حسن بن حسينون |
" بعد أن حل الصليب بدل الهلال في أبراج غرناطة خرج سلطان غرناطة أبا عبدالله الصغير وبينما كان منصرفاً عن عاصمته حانت منه إلتفاتة أخيرة إلى عاصمة ملكه فتأوه وجرت عبراته أما أمه التي كانت مستشارته في الأمور الحربية فانتهرته قائلة:
" يحق لك أن تبكي كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال"
إن من لم يدافع عن أرضه وعن وطنه وعرضه وفضل الهروب على البقاء والصمود والدفاع والاستماتة والاستبسال دفاعاً عن الأعراض والأوطان في حرب 94م لا يستحق الحياة وهو أخر من يحق له الكتابة أو الحديث عن عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية, لم يصمدوا رغم كل مالديهم من إمكانيات وقدرات عسكرية هائلة بما في ذلك أحدث الطائرات والصواريخ والدبابات والسفن الحربية الروسية إضافة إلى مخازن ومستودعات مملؤة بمختلف أنواع الذخائر التي تركوها بشمعها غنيمة للمنتصرين في السابع من يوليو 94م.
وفي العرف والقوانين العسكرية فإن هؤلاء سياسيون كانوا أم عسكريين خونة ومجرمين يفترض أن يقدموا للمحاكمات بتهمة الخيانة العظمى عقوبتها الإعدام فالعسكريين هربوا من المعركة وتركوا جبهات القتال وما بحوزتهم من أسلحة وذخائر. أما السياسيين فقد سبقوا العسكريين في الهروب خارج الوطن فهؤلاء جميعاً يجب محاكمتهم, لا أن يعودوا ويفرضوا أنفسهم زعامات للحراك الجنوبي يصولون ويجولون في الأرض ويملاؤن الدنيا ضجيجاً وصراخاً عبر وسائلهم الإعلامية المرئية والمسموعة ويتصدرون الصفوف الأمامية للمتظاهرين وكأنهم أبرياء لم يرتكبوا جرائم الخيانة العظمى بحق الوطن والشعب. عليهم أن ينظروا إلى ما يجري في سوريا شارع أو حي من أحياء مدينة حلب استمرت المعارك للسيطرة عليه من قبل فريقين وكل فريق يحاول السيطرة عليه لأكثرمن العام ونصف العام بينما أصحابنا استمروا في هروبهم وانسحاباتهم التكتيكية من جهة ومن جهة أخرى دحرهم للعدو وإلحاق الهزائم به كما كانوا يدعون كذباً وتضليلاً عبر وسائل الإعلام وهم في طريق الهربة أفراداً وجماعات حتى حط بهم الرحال أراضي سلطنة عمان.
لقد مثلوا أكبر ظاهرة صوتية, لهم ألسنة سليطة لا مثيل لها وخاصة ما يتعلق بالسب والشتم لمن يخالفهم الرأي وبأقذر العبارات والكلمات والألفاظ القبيحة التي لا وجود لها إلا في شوارع وأسواق النخاسة.
فجأة وفي غفلة من الزمن وجدوا أنفسهم يحكمون الجنوب لأسباب داخلية بحتة كانت السبب في أن يحكمون لفترة لا تتجاوز الثلاث سنوات بعد كارثة يناير 86م فأضاعوا ذلك الحكم في 94م الذي يذرفون عليه الدموع اليوم لأنهم ليسوا أهله نتيجة لوضعهم الاجتماعي تاريخياً.
ونتيجة لذلك الضياع حدثت طفرة اقتصادية واجتماعية في صنعاء خلال فترة عشر سنوات لم تشهدها على مدى قرون مضت من الزمن بعد نهب ثروات الجنوب بما فيها ثروات النفط والغاز وممتلكات مؤسسات دولة كانت قائمة قبل الحرب.
في عهد الأتراك والإمامة الزيدية كانوا عبارة عن خدم ومهمشين, وفي العهد البريطاني ظلوا عبارة عن خدم وبويات في بيوت الإنجليز والأسر العدنية.
بعد الاستقلال لم يكن لهم وجود في الجيش العربي ( جيش الليوي) عدى الحرس الاتحادي الخاص بحماية حكومة إتحاد الجنوب العربي غالبيتهم من يافع إما من الضالع فلا وجود لهم على الإطلاق لا في المؤسسات العسكرية أو المدنية إلى ما بعد أحداث يونيو 1978م ( أحداث سالمين ) أما من ردفان فلم يقبل الانجليز وجودهم في الجيش العربي عدى بيت واحد من بيوت ردفان وهو القطيبي.
قبل أحداث سالمين تم تشكيل قوات المليشيا الشعبية بقيادة حسين قماطة ( يافعي) أغلبيتها من يافع والضالع حتى أصبح تعدادها أكثر من خمسة ألوية عسكرية تم إنظمامها إلى جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقد لعبت تلك الألوية دور فعال في أحداث 78م التي أطاحت بسالمين.
كما لعب توحيد فصائل العمل الوطني المعارض لسالمين وتحالفها مع جناح عبد الفتاح إسماعيل ذلك التحالف الذي لعب أدوار خبيثة من خلال استغلال الظروف واللعب على التناقضات الداخلية من خلال التحالف مع طرف ضد طرف أخر.
وبعد تحقيق الأهداف يتم رميهم كالكلاب ويتعاملون معهم كأعداء من خلال الإعداد والتحضير للتخلص من تحالفهم, وهكذا دواليك حتى عرتهم وكشفت حقيقتهم حرب صيف 94م بعد أن تركوا جبهات القتال, تاركين أبناءهم وبناتهم وزوجاتهم, تركوا الأباء والأمهات من خلفهم يقررون مصيرهم مع القوات الغازية, فضلوا الحياة على الموت خوفاً من إنتقام الزمرة على ضوء ما حدث في يناير 86م.
يرى الجبناء أن العجز عقل ** و تلك خديعة الطبع اللئيم (المتنبي).
بعد غياب طويل داخل الوطن وخارجه وبعد أن تأكد لهم أن الزمرة لم تمارس أي نوع من الانتقام بل عملوا على استقبالهم وعودتهم إلى وظائفهم المدنية والعسكرية وقدموا لهم كل التسهيلات الإنسانية والأخلاقية التي لم يكونوا يتوقعونها.
فظهروا من جديد كظاهرة صوتية رافعين مختلف الشعارات وبالذات شعار التصالح والتسامح اعتقادا منهم أن من فقد أخ أو أب أو من تعرض لأبشع أنواع الانتهاكات الإنسانية وذلك الشعب الطيب الذي عانى من أسوأ السياسات المدمرة التي مارسوها يمكن أن يسامحهم.
وتحت هذه الشعارات يحتشد عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من مواطني الجنوب رجالاً ونساءً وأطفال في محاولة منهم استعادة دولتهم والحكم الذي أضاعوه ولم يدافعوا عنه وهاهم اليوم يحلمون في منامهم ويتباكون في صحوهم على ماضي حالك السواد لن يعود.
ومهما حشدوا من بشر في الميادين والساحات فالعدد ليس مثالاً ولا عبرة كما قال أحد المفكرين " كثرة العدد ليست دليلاً على الصواب وإلا كان تسعة حمير يفهمون أكثر مني ومنك".
التصالح والتسامح لن يدوم طويلاً
وإذا اعتقدوا بأن الحراك اليوم سوف يبقى موحداً في المستقبل فأنهم واهمون, وكل المؤشرات والتوقعات تؤكد بأنه سوف ينقلب على نفسه عبر أجنحته المتعددة تقاتل بعضها بعضاً على الزعامة والنفوذ.
ومن يشك غير ذلك عليه العودة إلى طبيعة وحقيقة وتاريخ الرموز والقيادات التي تقود الحراك الجنوبي حالياً والدليل أن ما يفرقهم هو أكثر بكثير من الذي يجمعهم وسيجدون أنفسهم يخوضون حرباً أهلية بالوكالة إقليمياً ودولياً.
أما حول تصديهم لمسيرة أهل عدن التي كانت تحت شعار عدن للعدنيين فقد مثل فضيحة بجلاجل, ومن يعود إلى تجارب النازية للوصول إلى سدة الحكم سوف يجد أن هتلر استخدم البلاطجة المدربين في الاعتداء على أية تجمعات أو مهرجانات تقيمها المنظمات أو الأحزاب الألمانية الأخرى بهدف إفشالها.
وهذا الأسلوب الذي يمارسه الحراك الجنوبي ضد معارضيه فإذا كان اليوم بهذه الأساليب النازية فكيف سيكون لو وصل إلى الحكم مركزي كان أو لا مركزي؟ ومن سيدفع الثمن؟ بالتأكيد الشعب هو من سيدفع الثمن كعادته في الماضي والحاضر والمستقبل.
ماهي الحلول والمعالجات
قد يقول قائل بأني كتبت كثيراً عن الأوضاع ما بعد حرب 94م وما نتج عنها من خراب ومن دمار وبأني وبسبب كتاباتي تلك قد تمت محاكمتي أكثر من مرة وصدرت أحكام بحقي.
وبأني لم أتقدم بحلول ومعالجات لما حدث؟ أقولها وصراحة لقد سبق لي أن طرحت وكتبت العديد من تلك الحلول مبكراً ومنها على سبيل المثال: إن خلافنا ليس مع الوحدة أو مع الشعب اليمني في الشمال, فهم أشقائنا وأخوة لنا في المحافظات الشمالية, وإنما مع علي عبد الله صالح ونظامه العسكري القبلي العائلي, كتبنا بأن ما حدث كان غزو وحرب عدوانية أقدم عليها ذلك النظام.
كما كتبت وحذرنا أن هذا النظام لا مشروعية له وكل الوثائق الرسمية التي صرفت لأمراء الحرب والمتنفذين للعقارات ومرافق ومؤسسات دولة الجنوب والقطاعين العام والمختلط والأراضي أيضاً لا مشروعية لها وسوف تعود لأصحابها عاجلاً أم أجلاً.
وكان آخر ما كتبناه فيما يتعلق بالحوار الوطني ومطالبة الجنوبيين بأن يشاركوا فيه, كما كتبت بأن لا حوارات ولا مشاركة للجنوبيين فيه قبل إستعادة الحقوق والتعويضات وهذا المطلب لا أزال متمسكاً به قبل كل شيء حتى اللحظة.
وأضيف هنا مرة أخرى بأن من يتحمل مسؤولية كل ما حصل للجنوبيين وللجنوب نتيجة لتلك الحرب الظالمة هو علي عبدالله صالح ونظامه وعلي سالم البيض وسياساته الأرتجاليه الطائشة. وما دام ثورة الشباب قد أسقطت علي عبدالله صالح واستئصال ما تبقى من رموزه المتنفذة العسكرية والقبلية.
فلا زال المطلب آنف الذكر قائماً " لا حوار قبل إستعادة الحقوق"وليس استعادة الدولة التي يطالب بها من فرضوا أنفسهم أوصياء على الجنوب وممثلين عن الشعبين في الجنوب العربي وحضرموت.
فأي تغيير لأي نظام من الأنظمة ليس من اختصاص ومهام من وضعوا أنفسهم ممثلين وإنما الشعوب وحدها من تقرر ذلك وليس على طريقة ما يقوم به ويدعيه ما يسمى بالحراك الجنوبي الذي لن يصل بسفينته إلى بر الأمان بل إلى مزيد من المصائب والكوارث والخسائر المادية والبشرية التي سبق وأن عانى منها المواطن عبر دورات العنف والحروب الأهلية.
مسك الختام
من تابع الحملة الإعلامية التحريضية والتضليلية التي يقوم بها الحراك خاصة بين أوساط من عاصر سبعينات القرن الماضي في عدن لابد وأن تعود به الذاكرة إلى الفترة التي سبقت أحداث (سالمين) سوف يجد شبيه لها لما يجري اليوم, وتلك الأحداث كانت أهدافها للوصول إلى سدة الحكم.
تميزت تلك الحملات الإعلامية ضد الرئيس سالمين بتوجيه اتهامات عديدة ضده لا أساس لها من الصحة.
فكان لأصحابها ما أرادوا بعد اغتياله.
لم يجدوا في سبيل التخلص منه بعد أن أصبحوا أقزام أمامه نتيجة لتلك الشعبية الطاغية التي يحظى بها ليس على مستوى الجنوب والشمال وإنما بين أوساط العديد من الشعوب العربية.
وبالرغم من ضعف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في ذلك الوقت إلا أنهم نجحوا في مؤامرتهم تلك الخبيثة والشيطانية بإعدامه غدراً.
وقد قالها أمام قاتليه لحظة إعدامه اليوم أنا وغداً سيكون الدور عندكم وستلاقون نفس المصير وذلك ما حدث فعلاً في يناير 86م.
المضحك المبكي ما جاء في صحيفة الطريق بتاريخ 24 يناير الجاري وعلى لسان من أطلق على نفسه ناطقاً باسم جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين بعدن دون أن يذكر أسمه مطالباً الرئيس هادي باتخاذ قرار شجاع بإعادة تشكيل وحدات الجيش الجنوبي.
و هنا نسأله عن أي جيش جنوبي يريد إعادة تشكيله فهو يدرك جيداً أن ذلك الجيش هو الذي تمت هزيمته في يوليو 94م وينتمي أكثر من 90% إلى مديريات في محافظة لحج وما تبقى من المحافظات الجنوبية بعد كارثة يناير 86م والذي أطلق عليه تسمية جيش (الطغمة) ومن بين أفراده ألوية مليشيات حسين قماطة الذين أصبحوا اليوم يحملون أرفع الرتب العسكرية بما في ذلك اللواء و العميد.
فإذا كان صاحب المطالب قد تجرأ على ذلك الطلب فهل أوعده الرئيس هادي بانضمام جيش (الزمرة) إلى دعوة التصالح والتسامح والانتقال إلى صفوف الحراك الجنوبي؟ أم إن ذلك الطلب عبارة عن نوع من السخرية التي لم يكن غريباً أن يقولها أحد المهزومين المأزومين؟ ولماذا لم يذكر أسمه ومنصبة في جمعية المتقاعدين.