المنافقون من الكتاب والصحفيين في الصحافة اليمنية، وطيلة أكثر من ثلاثة عقود من حكم علي عبدالله صالح، وكبار المتنفذين والطغاة في عهده لم يتجرأ أي من هؤلاء، وفي مقدمتهم "حملة المباخر" في البلاط السلطاني بقول كلمة "ارحل" ضد أي من أولئك المجرمين والفراعنة، وقاتلي الأبرياء في جميع المحافظات الشمالية قبل الوحدة، ثم لحق بهم بعدها الأبرياء في المحافظات الجنوبية.. وبدلاً عن إعدامهم شنقاً جراء ما ارتكبوه من جرائم قتل وتعذيب وتنكيل، ها هي المبادرة الخليجية قد جاءت لإنقاذهم، نتيجة لرغبة المجتمع الإقليمي والدولي، الذي لم يعر أدنى التفاتة لكل تلك الجرائم، والمظالم التي ارتكبها هؤلاء، الذين هم وحدهم من يتحمل المسؤولية كاملة في زرع الإرهاب في اليمن، عبر تجنيد الآلاف من الشباب المغرر بهم إلى صفوف تنظيم القاعدة، وإرسالهم إلى أفغانستان لمحاربة التواجد الروسي.. مع العلم؛ أن الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة في الجزيرة والخليج لم تكن بعيدة عن دعم السلطة في اليمن، التي قامت بذلك!!
وبعد هزيمة الروس في أفغانستان، وحليفهم نجيب الرحمن، استلمت الحكم حركة طالبان.. عندئذ؛ توقف الدعم لتنظيم القاعدة وللسلطة العسكرية القبلية في اليمن، فعاد جميع المجاهدين، أو ما أطلق على تسميتهم بتنظيم القاعدة إلى بلدانهم، ومن بينهم أسامة بن لادن، الذي عاد إلى السودان.. لتأتي بعد ذلك المؤامرة الثانية، فينقلب بسببها السحر على الساحر، تمثلت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي أدت إلى قيام تحالف أمريكي - أوروبي في الحرب ضد تنظيم القاعدة، المتهم بأحداث سبتمبر الحليف لحركة طالبان، التي رفضت تسليم أسامة بن لادن للإدارة الأمريكية لمحاكمته, تلك الحرب التي لم تتوقف حتى الآن!!
بعد هزيمة الروس في أفغانستان عاد اليمنيون إلى اليمن، وتحت رعاية وحماية ودعم من قام باستقطابهم، فقد لعبوا دوراً بارزاً في الحرب العدوانية التي أقدم عليها نظام صنعاء ضد الجنوب عام 94، بعد اغتيال العشرات من قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي - شريك الوحدة، وقد انتهت باحتلال الجنوب للشمال لأسباب عديدة، منها الحروب والصراعات بين الشطرين قبل الوحدة.
وعندما تقاطعت المصالح، واشتدت الخلافات والصراعات فيما بينهم، لم يجدوا من مخرج سوى ركوب موجة ثورة شباب التغيير؛ لينشق الطرف الذي كان يتزعمه علي محسن الأحمر، وانضمامه إلى صف الثورة (لأهداف سرية، بالانقلاب عليها لاحقاً)، والذي ضم العشرات من القادة العسكريين في المؤسسة العسكرية، ومعهم العديد من المسؤولين في المؤسسات القبلية والمدنية والسلك الدبلوماسي، بينما تشكل الطرف الآخر من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحلفاؤه في تلك المؤسسات, ودخول الطرفين في معارك طاحنة داخل أحياء وشوارع العاصمة (صنعاء).. ولوضع حد لذلك الصراع؛ جاءت المبادرة الخليجية، التي أعطت الحصانة لعلي عبدالله صالح، وعدم ملاحقته قضائياً، وكذلك بقية القتلة من المتنفذين؛ لينتهي كل شيء من خلال إقامة حكومة وفاق وطني.
ورغم أن تلك الحلول قد جاءت توافقية ترقيعية, إلا أن الرئيس عبدربه منصور قد أقدم على إصدار قرارات جريئة وشجاعة لم يرض عنها، أو يتقبلها طرفا الصراع بزعامة علي عبدالله صالح وحلفائه من جهة، وعلي محسن الأحمر وأبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من جهة أخرى، لأنها مستهم ومست مصالحهم في الصميم.. ومثلما انتصر على الإرهاب؛ فسينتصر على من زرع الإرهاب في اليمن، وبذلك؛ فقد أثبت أنه الرئيس الوطني الوحيد، والرجل الشجاع الذي عبر بحق عن إرادة وآمال وأماني شعبه في الحرية والأمن والاستقرار، وتجسيداً لما قاله الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
ومن يتهيب صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحفر