الداء والدواء

2015-07-03 13:57

 

عند الابتعاد عن الضجيج والمراء واللجاجة والخصومات، يجد المتأمل أن مسارات كوارث منطقتنا تتلخص فى الأمراض التالية:

١- الطائفية (سُنة وشيعة، مسلمون ومسيحيون.. إلخ).

وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «داء الأمم».

قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هى الحالقة، لا أقول تحلق الشَّعر، ولكن تحلق الدِّين...».

وعلاجها: نشر السلام والمحبة كما فى تكملة الحديث:

«... والذى نفسى بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم». حديث حسن رواه أحمد والترمذى وأبويعلى.

٢- العنصرية (عربى وفارسى وكردى وأمازيغى ونوبى، هاشمى وقحطانى، نجدى وحجازى ويمانى، بدوى وحضرى، أسود وأبيض... إلخ).

وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا صلى الله عليه وسلم «دعوى الجاهلية».

فقد قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار، فنادى كل طرف قومه: «يا للمهاجرين، يا للأنصار»، وفى موقف آخر بين قبيلتى الأوس والخزرج من الأنصار، فنادى كل طرف قبيلته: «يا للأوس، يا للخزرج»، فقال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟ دعوها فإنها منتنة». رواه البخارى.

وقال أبوذر رضى الله عنه: إنى كنت سابَبْتُ رجلاً وكانت أمه أعجميةً، فعيَّرتُهُ بأُمه، فشكانى إلى رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية». رواه البخارى ومسلم.

وذكر ابن حجر والنووى أن الرجل هو الصحابى بلال بن رباح وأمه اسمها «حمامة» من أهل النوبة.

وعلاجها: اعتبار التقوى ميزان المفاضلة كما قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى». حديث صحيح رواه أحمد وغيره.

٣- الغثائية أو اللهث خلف الأطماع الدنيوية (المال، السلطة، المغالبة).

وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا صلى الله عليه وسلم «الوهْن».

قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «.. وليقذفن الله فى قلوبكم الوهْن». فقال قائل: يا رسول الله وما الوهْن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت». حديث صحيح رواه أبوداود.

وقال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مُسْتخْلِفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا..». رواه مسلم.

وقال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «.. وإنِّى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدى، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها». رواه البخارى.

وقال: «.. فوالله لا الفقرَ أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم». رواه البخارى ومسلم.

وقد حذّر سيدنا صلى الله عليه وسلم من النتائج المترتبة على هذه الأمراض وخلاصتها:

١- كثرة الفتن:

قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فِتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجلُ مؤمناً ويُمسى كافراً ويُمسى مؤمناً ويُصبح كافراً يبيع دينه بِعرَضٍ من الدنيا». رواه مسلم.

٢- تفشّى القتل:

قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «والذى نَفْسى بِيَده، لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فِيمَ قَتل، ولا المقتول فيمَ قُتل»، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: «الهَرْجُ، القاتل والمقتول فى النَّار». رواه مسلم.

وقال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بين يدى الساعة الهَرْج». قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه». قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟! قال: «إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويَخلُفُ له هَباءٌ من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شىء، وليسوا على شىء». حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان وابن أبى شيبة.

٣- استخفاف الأمم بنا وتآمرهم علينا:

قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم من كل أُفق كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللهُ من صدور عدوكم المهابةَ منكم، ولَيقذفَنَّ الله فى قلوبكم الوَهْن». فقال قائل: يا رسول الله وما الوهْن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت». حديث صحيح رواه أبوداود وغيره.

ملاحظة دقيقة:

إنّ هذه الكوارث من النوازل العامة التى تعصف بالمجتمعات والأمم قد أرجع سيدنا صلى الله عليه وسلم جذورها إلى أمراض فى نفوس الأفراد، وجعل النتائج الوخيمة فروعاً تنبت من هذه الجذور فتثمر الكوارث والمصائب العامة، نسأل الله العافية والفرج.

وإلى هذا المعنى أشار الحق سبحانه وتعالى؛ فقد أقسم بالمظاهر المؤثرة فى هذا العالم (الشمس والقمر والنهار والليل والسماء والأرض)، وأقسم بعد ذلك بنفس الإنسان وكأنها من مظاهر التأثير فى هذا الوجود.

ثم جعل جواب القسم هو أن «الفلاح» و«الخيبة» معلقان على تعامل الإنسان مع نفسه، فقال تعالى فى سورة الشمس: {قدْ أفلَحَ مَنْ زَكَّاها وقدْ خابَ مَنْ دَسَّاها}.

إذن فالحل والعلاج القرآنى لهذه الكوارث هو «تزكية النفوس»؛ وإنَّ ما نحتاج إليه اليوم هو شجاعة مواجهة هذه الحقيقة قبل أن تسارع نفوسنا الأمَّارة بالسوء إلى التهرُّب من مواجهتها بالاستخفاف بها، ودعوى الاشتغال بالقضايا العامة، والشئون العظمى للأمة.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها، يا ذا الجلال والإكرام.

الحبيب علي الجفري