خدعوك فقالوا: ‘‘ إبليس كافرٌ ذكيٌ‘‘..!.

2015-02-20 16:25

 

ربما يكون “إبليس” نفسه هو من نشر هذه الإشاعة، فهو في حقيقته، وحسب السرديات ذات العلاقة، ليس أكثر من رجل دين انتهازي، فاز بناء على تدينه وعبادته بلقب “طاؤوس الملائكة”.

لست واثقاً من منحه هذا اللقب، لكن المؤكد أنه لم يكفر بالله طرفة عين، ولكنه لم يؤمن به بطريقة بريئة ونزيهة من العنصرية والحسد والسياسة.. فليس الكفر بالله، بل الإيمان الملوث بالنزوات الأنانية، هو من جعل الشيطان عدو الله وعدو البشر..

 

لقد كان “متزمتاً” بشكل عنصري، كبعض الذين يظنون أنهم أقرب إلى الله من بقية البشر، فقد كان هذا الوغد مدفوعاً بنزعة الخيرية الدينية والمزايدة بالتقوى والمراهنة على الزعامة والسلطة..

ينطوي الأمر على انتهازية سياسية، فعلى حرارة الشعور بالاصطفاء الإلهي، تهيأ لإبليس أنه امتلك الحقيقة المطلقة، وأنه بتدينه وعبادته أولى بحمل الأمانة الإلهية، وخلافة الله، من مخلوق “وضيع” يخطئ ويصيب ودينه ليس على ما يرام.. وهكذا انحرف ذلك الأفّاق بالدين إلى السياسة، لأول مرة، كرائد للدين السياسي.

 

على كل حال كان متطرفاً أحمق، دفعه الشعور بالاستعلاء الديني والعرقي أيضاً إلى رفض أمرٍ إلهيٍ صريحٍ وصارمٍ بالسجود لكائنٍ بدا- حتى لجميع الملائكة- أنه مؤهلٌ بالفطرة للفساد والكفر والعصيان، وهو آدم، ولأن الله لا يعبأ بالشكليات والروتين.. بقدر اهتمامه بالإرادة الحرة والمسئولية، اندحر ذلك القديس الرجيم بتدينه الملوث، وانتصر آدم بخطاياه وتواضعه وتوبته واستعداداته الخيّرة والشريرة..

 

ما زال ذلك الشرير الأحمق ملتزماً بتعهداته أمام الله بإغواء البشر، لقد عرف بالتجربة الفادحة أن لا طريق لجلب غضب الله ولعنته والبعد منه.. أنجح من التدين المسيس، ولهذا لا يملك إلا أن يقوم بنشر طريقته القديمة في التدين بين البشر، وغوايتهم من خلال الدين نفسه.

أما لماذا هو غبي، فلأن من المقرر أن كيده ضعيف، ولا سلطان له سوى على الأغبياء والسذج، هؤلاء وحدهم من ينخدعون أو يخادعون بالمشاعر والمظاهر الدينية الزائفة، ومهما بلغت براعة “تلبيس إبليس” إلا أنه أعجز من أن يخدع الأسوياء عن الفرق الدقيق بين الآيات الشيطانية والآيات الرحمانية في الخطاب الديني.

 

ما يقرب الإنسان من الإنسان، يقربه بالضرورة من الله، والعكس رجس من عمل الشيطان. التزمت والأنانية وتزكية النفس وكراهية الآخر والتكفير والإرهاب.. وتوظيف الدين لمآرب سياسية.. هذه سمات التدين الشيطاني القديم، في مقابل الحب والتواضع والحق والخير والجمال والحرية والعدالة والعمل والإبداع.. الآيات الرحمانية الساطعة.

المشكلة الحقيقية لـ«إبليس» ليست في الكفر “الجحود بالله”، بل في التدين الانتهازي، وإذا كان لا بد من تصوّر وتصوير تلك الفكرة الشريرة بهيئة شخصية، فالأقرب أن يتجسد بهيئة “راسبوتين” أو بعض مرجعيات الإسلام السياسي، بدلاً من تصويره النمطي مسخاً مضحكاً بقرنين معقوفين، وذيلٍ لولبي ينتهي برأس حربة..!

[email protected]