في ذكرى فبراير.. ألم وأمل

2015-02-14 20:48

 

حلت على اليمنيين ذكرى ثورة عظيمة، لا أظنها ستتكرر من حيث كونها شكلت ولأول مرة منذ سنوات لحمة وطنية واحدة، شعر اليمنيون خلالها أنهم يستعيدون حلمهم الوطني الضائع، ويرسمون مستقبلهم اليمني الناصع، بدمائهم الزكية، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من معانقته، لولا سلوكيات حزبية أنانية، وممارسات سياسية انتهازية وخاطئة، لعبت دورا سلبيا في تأجيل معانقة الحلم، وبعثرت أوراق الثورة وبيعها على طاولة المبادرات والتسويات ليجد الناس أنفسهم، بعد أربع سنوات خلت، بحاجة لثورة جديدة.

 

11 فبراير.. هو يوم ميلاد ثورة يمنية وطنية خالصة، لم تأت بالصدفة، بل كانت عبارة عن حلم طويل، ومخاض عسير، وتضحيات شجاعة، ومقاومة صلبة، وفكرة ملهمة أخذت تنتشر كالنار في الهشيم، وحاجة شعبية للتغيير والانعتاق من الظلم والاستبداد.

 

الثورات الشعبية السلمية هي أيضا إرادة ربانية اختار الله لها فلاسفتها ومفكريها وقادتها من بين الناس، لتحويل الأفكار الملهمة عبر الكلمة إلى مشروع تغيير مجتمعي كبير يبدأ باقتلاع رموز الاستبداد ثم إزالة آثاره، ثم الشروع في بناء الدولة، لكن للأسف فقد اتضح أن ما سمي بقوى الثورة التي كان يرى مفكرو وفلاسفة الثورة أنها ستعلب دورا كبيرا في دعم الفكرة وحملها على التحقق، لم تكن جاهزة ومستعدة لحدث تاريخي وكبير كهذا، وهي وإن لعبت دورا بارزا في الحشد والتجييش للجماهير إلا أنها عجزت عن جعل الثورة حالة جماهيرية عامة.

 

فقد برزت الأنانية والاستحواذ والإقصاء داخل الفعل الثوري نفسه، كما لو كانت الثورة ملك حزب معين أو فصيل أو تيار.. الأمر الذي أضعف وشوش الفكرة، وحفز عمليات الاستقطاب، فانتقل الصراع، من كونه بين ثورة شعب وفئة فاسدة ومستبدة، إلى داخل الثورة نفسها، فنشأت الثورة المضادة داخل الثورة نفسها، بفعل ممارسات قوى الثورة أولا، قبل أن تجد القوى المتربصة والمستهدفة فرصتها في إعادة ترتيب أوراقها، وشن ثورة مضادة كبرى ضد فكرة الثورة ورموزها من الشباب ثانيا، الذين حاولوا إصلاح المسار الثوري بكتابات ومساهمات فكرية، لم تستطع قوى الثورة التقطاها لأنها كانت منشغلة بالإعداد والترتيب للحصول على نصف الغنيمة.

 

هكذا حينما يذهب الثوار ورجال التغيير إلى حصد وجمع الغنائم، واقتسامها، يخسرون بدورهم المعركة، فتنقلب النتيجة رأسا على عقب.

 

وفي تاريخنا الإسلامي أحداث مهمة تحاكي المشهد الذي أوقعت الأحزاب فيه ثورة فبراير العظيمة.. كان الحراك السلمي الجنوبي ملهما متألقا لثورة فبراير ولثورات الربيع العربي، وكما هو حال الحراك وثورته اليوم، فإن ثورة فبراير وبعد مرور أربعة أعوام على انطلاقتها الأولى، بحاجة لقراءة تقييمية ونقدية منصفة ومعمقة، من كل الجوانب، لوضع الناس أمام نتائج منطقية وواقعية وصادقة، يعيدون من خلالها صياغة تطلعاتهم في ظل ما تشهده الساحة من تموجات واعتمالات ثورية حتى لا تتكرر أخطاء التجارب السابقة، ويجد الناس أنفسهم من جديد وقودا لصراع سياسي مصلحي نفعي رخيص، وأمام حالة انفعالية عاطفية غير مدروسة، سرعان ما تنكسر، أمام التسويات السياسية التي طالما عملت على تجريف ومصادرة أحلام الجماهير.

 

كم كانت أحلام الشباب كبيرة وعظيمة، كم كان اليمن الذي رسموه في أذهانهم وعاشوه حلما في نفوسهم جميلا وقويا ومهابا، لقد تسربت أحلام الشباب هنا وهناك عبر الرصد وقراءة الأفكار كما يبدو، فأوجدت رعبا وهلعا لدى المستبد، وما أن تفجرت الثورة، كان لابد من أن يعاق الشباب من مواصلة أحلامهم بوسائل وطرق مختلفة وجهنمية، حتى يسهل الالتفاف على الثورة والقضاء عليها.

 

أعرف شبابا حلموا بالثورة ونظروا لها تعرضوا لمؤامرة قذرة لعزلهم عن الناس والحد من تأثيرهم وتشويههم، وآخرون زج بهم في السجون والمعتقلات.. إلى آخره من الممارسات القذرة عبر مؤامرة داخلية خارجية للحد من الثورة وإبطال مفعولها، ثم استكملت حلقة المؤامرة على الثورة عبر المبادرات السياسية بمشاركة قوى الثورة للأسف.

 

في ذكرى فبراير ألم وأمل يتجدد، إنها ثورة من أجل اليمنيين، كل اليمنيين، لا ينبغي الانتقاص من حقهم في التضحية مهما اختلفت الأدوات، فالتحولات الكبيرة هي عبارة عن تراكمات من التضحية والصراع من النجاح والفشل.

 

وفي ذكرى هذه الثورة العظيمة نتمنى أن يجتمع اليمنيون على كلمة سواء لعقد جديد من الشراكة الحقيقية، فاليمن لا تستطيع أية قوة مهما بلغت أن تديره بمفردها أو أن تكون وصية على الآخرين، وأن يبتعد الجميع عن التحريض المناطقي والطائفي المدمر الذي تلعب عليه قوى خارجية لإغراق اليمن في صراعات وحروب مدمرة لكيانه ووحدته.

 

جددوا الثورة التي حلم شبابها بيمن كبير وقوي ومزدهر، واجعلوها مستمرة في نفوسكم وسلوككم من أجل يمن لليمنيين جميعا، وأعيدوا لها رونقها وحلمها الذي سرق لتبقى حية ويبقى اليمن حيا.