لا يختلف إثنان على أن جنوب الجزيرة العربية كنز ثمين ومستودع بشري كبير وعمق تاريخي وموقع جغرافي مهم وخطير في التحكم بخطوط سير الملاحة الدولية وعصبها الاقتصادي الأثير .
من هذه المنطلقات كلها جعلت هذه المنطقة تحت سيطرة القوى الخارجية بكل أطماعها منذ ماقبل الأسلام وحتى اليوم . وقد آثر الجميع لها عدم الإستقرار والعيش الكريم فضلا عن عدم بناء دولة وطنية قوية تمكن أصحاب المنطقة من بناء ذواتهم وقدراتهم وهي على هذا المنوال تسير بهم في دروبها المتعرجة بكل تقلباتها السياسية لمنعها من إمتلاك ناصيتها ورسم معالم تقدمها .
ورغم تراكمات السنين العجاف وما لحق بنا نحن أبناء المنطقة من غبن وتدمير ممنهج لقدراتنا وسحب بساط إرادتنا الا إننا لازلنا في ذلك المربع الذي يمسك بكل طاقاتنا ويعطلها بإتجاه القراءة الواعية للماضي والإستشراف المستقبلي لواقعنا المتردي في أسوأ حالاته .
ما نراه اليوم ماثلا للعيان هو جزء من ذلك المسلسل المستمر الفارض حضوره على واقعنا للأسف الشديد مع تبلد عقولنا في التعاطي معه وفق ما هو مفهوم كواقع لامحالة من تقبله بل يتمادى البعض الى التماهي معه بكل جهل واستغباء سياسي مقيت يذهب به الى الركون والتصفيق لكل زاعق وناهق ..!!
ثنائية الجنوب ( جغرافيا) و (القضية) سياسيا هي إحدى حلقات ذلك المسلسل المتعدد المشاهد والمستمر في الزمان والمكان وليس هو استحداث جديد في فعله وقواه المحركة له وهو مالا يدركه ويحيط بأبعاده الكثير منا وخاصة النخب المثقفة وأرباب السياسة إن وجدوا بالمعنى الإحترافي العلمي للمصطلح.
وعلى هذا المنوال وبذات الشاكلة نرى تقلبات الأمور والفواجع تحط علينا ليل نهار بكل ما تحمله من كوارث علي الارض والإنسان موغلة في التأثير على بقائنا متخلفين شئنا أم أبينا ..!!
ما يندرج اليوم في فهم ما يعتمل في ( الجنوب) من رفض شعبي عارم يطالب بحقه في تقرير مصيره حاملا قضيته على أكفه متجها بها الى المجتمعين الدولي والأقليمي لحلها وطلبا الخلاص من واقعه المرير لهو جزء من بضع أجزاء لفهم ملابسات الواقع وتجذرات التاريخ ويستحضرني هنا قرائيا ما كتبه ذات يوم الصحافي والمفكر المصري محمد حسنين هيكل بعد تجربة طويلة في دهاليز السياسة وتقلباتها حين تحدث عن علاقة العرب بأمريكا مستغربا ما يبديه العرب من قناعة ذاتية لديهم أن الأمريكان سوف يساعدونهن في تحرير فلسطين أو إعطاؤهم أرضهم المحتلة معللا ذلك بأن العرب لم ينتبهوا الى كون الأمريكان بنوا دولتهم على أرض مغتصبة أصلا فكيف بهم وهي ثقافتهم المبنية على قناعاتهم أن يساعدوك على أخذ حق مغتصب لك ..؟!
التعليل ذاته ينقلنا هنا الى قضيتنا في الجنوب والتعامل مع القوى المحلية والدولية التي بنت نفسها تاريخيا وثقافيا كمكون على الإستحواذ والسيطرة تجاوزا الى معاني الإحتلال أن تكون متجاوبة معك في تخليصك من واقع إحتلال عليك فرضته الظروف وربما كانت لهذه القوى من العوامل والأسباب التي ساعدت في خلقه وتثبيته على الواقع وهي اليوم وبكل ما يرصد لها من تحركات مشبوهة وتبعث على الريبة في إعاقة مشروع التحرير وتقرير المصير وعودة وطن الى أحضان أهله ..!!
المخاوف التي يجب علينا إدراكها بعناية ووعي وطني صادق هو تنبعث من ارتباط ما يعتمل في الداخل والخارج وبأيادينا بمشاريع خارجية لا تمت للوطن بصلة البتة وأن طبل لها البعض وتعلق بها الكثير بغير وعي وطني ولا فهم سياسي حصيف وهو ما نرى آفاق حركتها على شارعنا الغير منضبط سياسيا رغم أن وطنيته لا يشكك فيها مزايد أبدا ..!!
إذن كيف نمرق من كل شراك نصبت لنا بعناية من كل هؤلاء سبيلا منا الى نقل قضيتنا الى بر الأمان وبلوغ أهدافنا الوطنية الحقة التي تمكننا من تحقيق الغايات لا الى تنكيس الرايات من جديد ونعود الى مربع الصفر من حيث أتينا وكما يقول في المثل وكأنك يا بوزيد ماغزيت..!!
هنا فقط نقف عند الشواهد والحقائق الماثلة ودعونا نخطو خطوات ثابتة وواضحة بعيدة عن كل لبس وشبهة ونتحاور معا تحت سقف وطن يتسع للجميع لايفصل كثوب لأفراد أو زعامات ونتجه في الحوار مع أنفسنا بتقبل بعضنا لبعض دون إملاءات مشروطة ولامنقوصة من قدر أحد لكننا نجعل قوة خطابنا وتحاورنا مع الآخر على قاعدة حماية الوطن والوطنية ودونها مضيعة للوقت وإهدار لإمكانيات شعب سطر ملامح بطولية للخلاص مماهو فيه وبيع لقضيته ووطنه في سوق النخاسة السياسية وإن أراد أن يكون مع الوطن وخادما له وراعيا لمصالحه فقد ربح البيع والتاريخ يسجل كل شئ دون نفصان ونتمنى جميعا أن ندرك ذلك..!!!