بعد مخاض عسير تشكلت حكومة خالد بحاح من 36 حقيبة وزارية، وبدت التشكيلة للمرة الأولى خالية من تدخلات مراكز القوى التقليدية في الشمال التي جُبلت طوال العقدين الماضيين من عمر الوحدة على التدخل في اختيار الحكومات وتسمية الوزراء بناءً على ولائهم القبلي أو الشخصي للمشايخ أو القيادات العسكرية النافذة أو للرئيس السابق الذي لم يكن يحمل مشروعا لبناء الدولة بقدر ما يحمل مشروعا عائليا صغيرا عمل إلى ما قبل 11فبرائر 2011 على رعايته وتجنيد عناصر عديدة في الحكومة ومؤسستي الجيش والأمن ومؤسسات الدولة الأخرى على حمايته ودعمه، لم نسمع اليوم أن الوزير الفلاني أو العلاني يتبع علي محسن أو حميد الأحمر أو علي صالح أو الشيخ الشائف أو غيرهم من النافذين كما كنا نسمع في السابق، فمن خلال قراءة سريعة لحكومة بحاح يمكن القول أن معظم الوزراء تم اختيارهم بعناية فائقة تنم عن نظرة ثاقبة لرئيس الحكومة الشاب الذي أراد أن يؤلف فريقا منسجما من الكفاءات والمهنيين (التكنوقراط) ومن المستقلين سياسيا وفي نفس الوقت من السياسيين الحزبيين بنسبة لا تتجاوز ال20بالمائة تقريبا على عكس الحكومات السابقة.
لا بأس أن يكون الوزير منتميا لحزب سياسي له برنامج وأهداف وطنية واضحة، لأن ذلك يعد مقبولا إذا ما كان ولاؤه لهذا الحزب، وغير مقبول أن يكون ولاؤه لشخص نافذ أو شيخ قبيلة هو في واقع الأمر حجر عثرة أمام الدولة ،ولكن كلما كانت الولاءات للمهنة والمسؤولية الوطنية كان أفضل وأنفع لبلد هو في أمسِّ الحاجة لمغادرة ولاءات ما قبل الدولة إلى الولاء للدولة وهذا ما نلمسه في توليفة الرئيس بحاح التي نتمنى أن تُثبِت أنها فعلا التوليفة التي يحتاجها اليمن في هذا الوضع الصعب والحساس الذي يفرض فيه هدف الحفاظ على كيان الدولة نفسه على أهداف عديدة تنتصب أمام الحكومة الجديدة شكلا ومضمونا.
قد يقول قائل: إن هناك وزراء ربما يكون ولاؤهم للرئيس هادي وهناك آخرين ولاؤهم لرئيس الوزراء، ومن هنا نقول إنه إذا افترضنا وجود ذلك فعلا فلا أعتقد أنه سيتسبب بضرر على أداء الحكومة وانسجامها لأن كلاً من الرئيس هادي ورئيس حكومته ينتميان للدولة، لا لما قبل الدولة كما هو حال مراكز النفوذ القبلية والعسكرية التي أعاقت الدولة اليمنية عقدين ونيف.
على جماعة أنصار الله وهي القوة الأبرز والأقوى الآن على الساحة اليمنية بفعل متغير 21سبتمبر الفارط أن تقف موقفا إيجابيا من الحكومة الجديدة وأن تُسخر كل وسائل التسهيلات والدعم لها، وهذا لن يعفيها من دورها الرقابي على أداء الحكومة من خلال إنتاج وتفعيل آليات رقابية موضوعية وجادة تساعد الحكومة على معرفة أخطائها وتلافيها بسرعة والتسريع بعجلة إرساء دعائم الأمن وإعادة الاستقرار وإحلال الجيش والأمن محل المليشيات وإنعاش الوضع الاقتصادي وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للناس في مختلف المجالات الحياتية, لأن ملجئ الناس الأول والأخير هو الدولة وإذا استعدنا وظائف الدولة سنستعيد الدولة وسنحافظ على كيانها موحدا، ..إعاقة الحكومة معناه المزيد من الفراغ والفوضى والتفكك في ظل الانقسام الذي تشهده البلد على مختلف المستويات وضياع الفرصة الأخيرة في الحفاظ على اليمن.
لا مجال أمام حكومة بحاح إلا أن تنجح، وهي في واقع الأمر صُمِّمَت من أجل أن تحقق النجاح الذي انتظره اليمنيون طويلا ،ومن طول الانتظار كادوا أن يفقدوا الأمل في تحسن أوضاع البلاد وإمكانية استعادة الدولة من أيادي الخاطفين، لولا هذا البصيص الذي بدأ مشرقا منذ يوم الجمعة الفائت يلوح بيديه ويبتسم لليمنيين بثقة قائلا: امنحوني الفرصة.
الفرصة ما تزال سانحة إذا ما أخلصنا لليمن أولا وأخيرا، وضربنا بيد من حديد على كل المتآمرين والمعيقين الذين يريدون بناء دولهم الخاصة على حساب دولة اليمنيين، ومددنا أيادينا للشعب المطحون بالفقر والغلاء والبطالة والمرض والتهميش والإقصاء، وانتشلناه من وضعه الراهن إلى وضع جديد يكون فيه قادرا ومستعدا على حماية نفسه ومكتسباته ووحدته الوطنية والدفع بعجلة التقدم إلى الأمام، فالقيادة الحكيمة هي التي تعمل من أجل شعبها ومع شعبها وبشعبها تصنع المعجزات.