صورة تعبيرية من ارشيف شبوة برس
استطاع شعب الجنوب أن يفرض عدالة قضيته على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، اعترف بها القاصي قبل الداني، إنها قضية شعب سلبت منه هويته وثرواته وأرضه، وتعرض لصنوف مختلفة من الظلم والتهميش بأسلوب ممنهج وعلى مدى أكثر من عقدين.
بهذا الوضوح اعترف مجلس الأمن بالقضية الجنوبية والدول الراعية لمؤتمر الحوار ووثائق مخرجات مؤتمر الحوار التي أصبحت مع تغير موازين القوى في صنعاء في مهب الرياح.. الجميع اعترف وأقر بالمطالب الحقوقية لشعب الجنوب، ولكن مانعت الأغلبية المطلب السياسي للقضية الجنوبية وهو الاستقلال واستعادة دولة الجنوب.
" شبوه برس" يعيد نشر هذا التقرير الذي كتبه م بدر باسلمة عضو مؤتمر الحوار الوطني في صحيفة الأيام الغراء :
استمرت الحشود الجنوبية في المطالبة باستعادة الدولة في ظل ضعف وتمزق القيادات الجنوبية وفي المقابل رفض تأييد المجتمع الإقليمي والدولي ولو دولة واحدة تأييد هذا التوجه في حل القضية الجنوبية.
ورغم تغير موازين القوى في اليمن وبروز أمل وفرصة للجنوب بمعالجة قضيته عبر المرونة التي يبديها انصار الله تجاه القضية الجنوبية وعدم ممانعته في أي حل يرضاه شعب الجنوب، الا ان حل القضية الجنوبية لا يزال يواجه تحديات وشروط يجب ان يوفرها الجنوب للوصول الى معالجة قضيته.
القضية عادلة وناجحة ولكنها بأيدي محامين فشلة لم يستطيعوا كسب القضية امام المجتمع الاقليمي والدولي .. لماذا فشلنا؟ وكيف يجب ان يكون مسار الحل؟.
فامتلاك رؤية واضحة للحل ومساره وخاصة في الفرصة التي تتيحها الظروف الراهنة ضرورة من اجل انجاح القضية وعدم اضاعة الوقت والجهد.
لا يكفي ان تكون هناك حشود جنوبية تطالب بالاستقلال لنيل الاستقلال (وهذا هو حال الجنوب حاليا).. عدم فاعلية هذه الحشود هو السبب في عدم النجاح وهي الحلقة المفقودة لعمل النخب والقيادات السياسية الجنوبية أما الشعب فقد أدى الواجب الذي عليه على أكمل وجه.
**معوقات نجاح القضية الجنوبية**
منذ ان اشعل الحراك الجنوبي في عام 2006م شمعة القضية الجنوبية وهي في اتقاد، تخبو حينا وتزداد اتقادا في فترات اخرى. وعلى غرار قضايا شعوب في العالم هناك مساران للقضية مسار ثوري وشعبي ومسار آخر سياسي تقوده النخب السياسية.
وما يعيب القضية الجنوبية والسبب الرئيسي لعدم تحقيقها لأهدافها حتى الآن يعود الى اعتمادها على المسار الثوري الشعبي فقط بينما غاب المسار السياسي للنخب والقيادات السياسية. واذا ما استعرضنا هذه الفترة سنجد ان اهم العوامل التي قيدت انطلاق القضية الجنوبية وتبنيها من قبل المجتمع الاقليمي والدولي هي:
1. عدم المعالجة الحقيقية لصراعات وأخطاء الماضي والتي القت بظلالها في تعميق الانقسامات بين القيادات الجنوبية وبين فصائلها في الجنوب واضعافها في مركز السلطة بصنعاء.
2. كثرة الانقسامات بين القيادات الجنوبية والتي عكست نفسها على الشارع الجنوبي، ومحاولة كل فصيل استعراض قوته ومدى شعبيته - كثرة الديوك - وبالتالي لم يعد هناك حامل واحد للقضية الجنوبية برؤية واحدة وهو ما شكل عائقا امام المجتمع الاقليمي والدولي.. من يمثل الجنوب ومع من يتم التفاوض؟.
3. السياسات التي تم اتباعها من قبل فصائل الجنوب المختلفة للتعبير عن مدى رفض الشارع الجنوبي للواقع المعاش كانت سياسات هدامة لم تخدم القضية الجنوبية ولم تعمل على تطمين المجتمع الاقليمي والدولي الى فكر هذه الفصائل السياسية، تهديم البنى التحتية في المحافظات الجنوبية، توقيف التعليم، توقيف المشاريع التنموية والاخلال بالامن العام، جميع هذه السياسات اعطت مؤشرات سلبية عن مكونات الحراك الجنوبي.
فبدلا من ان يعمل الحراك وقياداته على البناء المؤسسي للجنوب وتعزيز قدراته على العكس من ذلك عمل على استكمال اضعاف قدرات الجنوب وتردي الحالة المعيشية للمواطنين.
4. تعددت الشعارات والخطاب السياسي ومطالب قوى الحراك الجنوبي المختلفة، الاستقلال، الاحتلال اليمني، استعادة الدولة، التحرير، وكلها انطلقت من المعاناة والظلم والنهب الذي تعرض له الجنوب منذ الوحدة.
هذه الشعارات دغدغت عواطف ابناء الجنوب والهبت مشاعرهم ولم تأخذ بإمعان البعد القانوني والسياسي والقانون الدولي لها.
اندمجت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع الجمهورية العربية اليمنية “طوعا” لبناء دولة جديدة باسم الجمهورية اليمنية، وبهذا تلاشت دوليا الدولتان المؤسستان للجمهورية اليمنية فلم يعد مجال لاستعادة الدولة لأنها وبكل بساطة لم تعد موجودة دوليا كما ان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لم تكن بالدولة المرغوبة سياسيا لا على المستوى الاقليمي ولا على المستوى الدولي.
وعلى الرغم من ان مراكز نفوذ الجمهورية اليمنية سطت بالكامل على ثروات ومقدرات الجنوب، الا ان ذلك لا يعتبر احتلالا .. مجازا نعم ولكن ليس من الناحية القانونية.
ان المسار الصحيح للقضية الجنوبية هو اعطاء شعب الجنوب حق تقرير المصير ولن تستطيع لا القوى الاقليمية ولا المجتمع الدولي منع هذا الشعب من تقرير مصيره فيما اذا اراد الاستمرار في دولة الوحدة او الانفصال واقامة دولته في الجنوب.
منذ حرب عام 1994م كان يجب على القيادة السياسية للجنوب العمل على هذا المسار لتمكين شعب الجنوب من الحصول على حق تقرير المصير.
إن عملية استحقاق أي شعب لحق تقرير المصير ليست بالعملية السهلة فهي عملية طويلة وهناك شروط عديدة يجب توفرها لينال أي شعب حق تقرير المصير من الامم المتحدة لارتباط حق تقرير المصير بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ومصالحهما ولهذه الاسباب الرئيسية تأخر حل القضية الجنوبية.
**مسار حق تقرير المصير**
يجب ان يكون جليا للجميع انه لن تعاد للجنوبيين دولة الجنوب لمجرد ان هناك مسيرات مليونية في الشوارع من ابناء الجنوب، بل حين تتوفر “الشروط” للقضية الجنوبية فيمكن عندها اعطاء الحق لشعب الجنوب ان يقرر مصيره من خلال استفتاء عام تحت اشراف دولي واقليمي وعلى الشعب ان يختار بين البقاء في الوحدة او الاستقلال في دولة جنوبية جديدة.
الظروف الراهنة التي تمر بها اليمن من تغير مراكز القوى في صنعاء، واستنفار الدول الخليجية من هذا التحول في السلطة في صنعاء كلها عوامل مساعدة لنيل الجنوب حق تقرير المصير ولكنها ليست كافية لإعطاء هذا الحق للجنوب الا بتوفر الشروط المطلوبة.. وهنا يأتي دور القيادات السياسية في سرعة توفير الشروط المطلوبة لحق تقرير المصير وعدم اضاعة الوقت والفرصة السانحة امامهم في حل القضية الجنوبية. فعملية الاستعداد لتقرير المصير تحتاج الى تخطيط دقيق وحنكة سياسية وفتح قنوات تواصل مع المجتمع الدولي وبدونها لن تحقق المسيرات المليونية الجنوبية النتيجة المرجوة.
**القانون الدولي و حق تقرير المصير**
لا شك في ان موضوع حق تقرير المصير والاستفتاء من الموضوعات المهمة في العالم من حولنا وفي الجنوب بصفة خاصة هذه الايام.
وقد ارتبط حق تقرير المصير والاستفتاء في الماضي بحق الشعوب المستعمرة في التحرر من الاستعمار الاوروبي والحصول علي الاستقلال وفي مرحلة أخرى ارتبط بمطالب بعض الجماعات العرقية او الدينية في الانفصال عن الوطن الام وتكوين دول جديدة بسبب الصراعات الداخلية في بلدانها، وفي الوقت الحاضر اصبح حقق تقرير المصير حقا ثابتا لكل الشعوب في المواثيق الدولية.
حق تقرير المصير مكفول في الشرعة الدولية وقوانينها والمعاهدات والاتفاقيات التي عنيت بالموضوع (واليمن من الدول الموقعة على هذه المعاهدات والاتفاقيات)؛ وهو مبدأ أساس في القانون الدولي بل تحول إلى تعريف جديد أعمق من جرد كونه مبدأ فقط.
وسنرى أن العهد الدولي بجزئه الأول مادته الأولى قد نصت على عديد من الأمور المهمة بالخصوص، حيث نقرأ فيه النصوص الآتية:
1. لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.(وهذا النص تم استيعابه بالكامل في وثيقة حلول القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار).
2. لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.
3. على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسئولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
وهكذا فإن ممارسة حق تقرير المصير لأي شعب لا يتم اعتباطيا، فهو مكفول قانونيا كما أوردنا ببعديه في تحرير الشعب والأرض وفي إزالة مختلف العقبات التي تمنع الشعب من التعبيرعن إرادته بحرية، وعند ظهور أية مشكلات معرقِلة، فإنه يلزم إجراء استفتاء يمكنه أن يعكس إرادة الشعب في تقرير مصيره.
وفي ضوء هذا الحسم يمكننا التوكيد في إطار الجنوب على حقوقه في تقرير المصير بمستوييه الخارجي والداخلي وفق المحدد القانوني لهذين المصطلحين.
القضية الجنوبية وشروط حق تقرير المصير في الإجراءات الأممية والمحلية.
حق تقرير المصير هي عملية تفاوضية على مستويات مختلفة، مفاوضات على المستوى المحلي، مفاوضات على المستوى الإقليمي ومفاوضات على المستوى الدولي وهي تقوم بالدفاع والاقناع بقضية الشعب وبحقه في تقرير مصيره وان هذا الحل هو الكفيل بترسيخ الاستقرار والامن الاقليمي والدولي.
**المرحلة الاولى: مرحلة المفاوضات والاقناع والبناء.**
وهي عملية تحتاج الى قيادة موحدة وذكاء سياسي وعمل ثوري شعبي يساند المفاوضات لإقناع السلطة اليمنية في الشمال انه لا استقرار الا بمنح الشعب حقه في تقرير المصير، واقناع المجتمع الاقليمي الخليجي ان اعطاء الشعب حق تقرير المصير سيؤدي الى استقرار المنطقة وتعزيز امنها، واقناع الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بأن اعطاء هذا الحق سيعزز من الامن الاقليمي والعالمي ولن يضر بمصالحها الحيوية في المنطقة.
وفي هذه المرحلة يتحتم على الجنوب بناء مؤسساته وقدراته وقيادته ورؤيته للمستقبل وبدونها لن يكون الجنوب قد استكمل “شروط” منح حق تقرير المصير من قبل مجلس الامن.
**المرحلة الثانية : تقديم الطلب واستيفاء الشروط.**
يمكن للجنوب ان يقدم في أي وقت طلب حق تقرير المصير، ولكن قبول وموافقة مجلس الامن على منح هذا الحق للجنوب يأتي بعد استيفاء الجنوب للشروط المطلوبة لمنح هذا الحق. ولهذا تبدأ هذه المرحلة عند تحقيق ثلاثة أهداف:
1. استيفاء شروط منح حق تقرير المصير للجنوب
2. الحصول على دعم دول الجوار (على الاقل دولة واحدة) لطلب الجنوب بحق تقرير المصير.
3. الحصول على الاقل على دعم دولة واحدة دائمة العضوية في مجلس الامن.
تحقيق الهدف الاول باستيفاء الشروط يعطي الجنوب الاهلية ان يقدم طلبا لمجلس الامن بحق تقرير المصير، ويحق للمجلس الموافقة على الطلب او رفضه، الموافقة الايجابية لمجلس الامن مرهونة بتحقيق الهدفين الثاني والثالث وهو التنسيق مع الدول المجاورة واعضاء مجلس الامن.
**المرحلة الثالثة : الاستفتاء**
وهي عملية الاستفتاء العام لشعب الجنوب في تحديد مصيره بالبقاء في الوحدة او الانفصال وتكوين دولة جديدة للجنوب تحت اشراف المجتمع الاقليمي والدولي.
ولهذا يتبين ان عملية حق تقرير المصير هي عملية سياسية معقدة وتحتاج الى فريق سياسي مفاوض ماهر لإنجاحها، وقد تقصر أو تطول هذه الفترة على حسب قدرات الفريق المفاوض والظروف الداخلية والخارجية لليمن.
وهي عملية عسيرة لا بد منها، وكان الاجدر بالقيادات الجنوبية قبل الوحدة التفكير بعمق بكل الاحتمالات.. فدخول البيت ليس مثل خروجه. فمن السهل دمج دولتين بإرادة السلطتين في الدولتين ولكن من الصعوبة بمكان انشاء دولة جديدة في المجتمع الدولي المعقد بمصالحه السياسية والاقتصادية والامنية.
**شروط حق تقرير المصير**
1.الشعب المطالب بحق تقرير المصير، يجب ان يكون شعبا متجانسا صاحب تاريخ مشترك، ثقافة مشتركة، هوية مشتركة ، او دين او لغة مشتركة.
2.الشعب المطالب بحق تقرير المصير يعيش في مساحة جغرافية واحدة
3.امتلاك الشعب لموارد اقتصادية.
4.يجب ان يكون لهذا الشعب قيادة ومؤسسات سياسية واقتصادية وأمنية تحظى بالتأييد الشعبي وتستطيع ادارة شئونه بكفاءة.
5.مدى تحقيق مطلب حق تقرير المصير للاستقرار وللأمن الاقليمي والدولي وهو ما يشير الى ضرورة توفر دعم اقليمي ودولي لهذا الطلب.
جملة الشروط اعلاه تبين ان القضية الجنوبية تمتلك الشروط الثلاثة الاولى بينما تفتقد الى الشرط الرابع والخامس وهو الذي يجب العمل عليها بجدية كبيرة، وكان مع الاسف المفترض العمل عليها منذ سنوات طوال.
الشعارات لن تبني دولة كما ان الزخم الجماهيري الجنوبي دون عمل سياسي فاعل لن يفرض اعترافا دوليا وإقليميا بدولة جنوبية، الفرصة السانحة امام القضية الجنوبية تحتاج الى توحيد الصفوف والعمل بفاعلية اكبر، يجب عدم استغلال عواطف ومعاناة الجنوب دون نتيجة ولأهداف غير واضحة.. العملية شاقة وتحتاج الى خطة وعمل سياسي موحد وممنهج.. يكفي ما تم اضاعته من جهد ووقت ومعاناة.