ترتبط شرعية النظام ارتباط وثيق بمدى تعبيره عن مصالح أغلب المواطنين, وكلما ابتعد النظام عن ذلك واختصر مهامه في حماية النافذين وكبار الفاسدين في السلطة وحماية مصالحهم كلما زاد السخط الشعبي عليه.
النظام الحالي في اليمن ابتعد كثيراً عن متطلبات البسطاء من الناس, فلا أمن ولا استقرار ولا خدمات عامة, ولا حتى أمل في مستقبل افضل, وعلى العكس من ذلك تزداد الأوضاع سوء وعلى مختلف الأصعدة ولست بحاجة الى التعريج على بعض الأمثلة فالكل يعرف أن اليمن ذبحت من الوريد الى الوريد خلال السنوات الثلاث الأخيرة وآخر تلك العمليات ما حدث لعدد من الجنود في حضرموت على يد تنظيم القاعدة.
انحصرت سيطرة النظام على منطقة أشبه بالمنطقة الخضراء في بغداد, فأغلب مناطق صنعاء تشهد إشكالات أمنية متنوعة, من اطلاق النار الى الاختطافات مروراً بجرائم الاغتيالات التي طالت الكثير من دبلوماسيين أجانب وسياسيين يمنيين وضباط في الجيش والأمن, وفي بقية المحافظات حدث ولا حرج.
الشمال يعيش حروباً متواصلة, وأغلب محافظاته خارج سلطة الدولة عملياً, أتحدث هنا عن دولة النظام والقانون, واغلب محافظات الجنوب تخضع عملياً لسيطرة القاعدة حيث تتحرك هناك بحرية تامة وتدخل المدن وتسطوا على البنوك والمؤسسات الحكومية وتقتل وتذبح البشر وتوثق عملياتها تلك بالصوت والصورة وتعود مجاميعها آمنة الى المناطق القبلية التي باتت توفر لها الغطاء.
الحرب على الإرهاب أشبه بالمسرحيات الاستعراضية حيث تهدف فقط الى جمع الأموال من دول الجوار والمجتمع الدولي, ومن يلقى عليه القبض من أعضاء تلك التنظيمات سرعان ما يتم الافراج عنه واعدام ملفه بقدرة قادر, وحتى من تتم محاكمتهم يعاقبون بسنتي سجن على قتل أكثر من مئة جندي أمن مركزي في السبعين كمثل صارخ على اختراق أجهزة الدولة من قبل تلك التنظيمات وقدرة مراكز القوى التي تدعم القاعدة على حمايتهم حتى في حال وصولهم الى يد القضاء.
الأخطر من كل ما سبق أنه لا توجد خطة للخروج من هذا النفق, بل أن هناك من لا يزال يحفر الأنفاق حتى هذه اللحظة للنيل من خصومه السياسيين وآخرها عملية "نفق الغدر" التي كانت تستهدف الرئيس السابق في منزلة, والتي لم تُدنها أغلب التيارات السياسية مع انها عملية إرهابية بامتياز, وكان الأجدر بكل التيارات ادانتها بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءها والتي يفترض أن يكشفها التحقيق, هذا اذا تم التحقيق بجدية فيها.
الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة وبلا استثناء مشغولة بمحاصصة الوظائف العامة ونهب ما تبقى من مقدرات الدولة بمزيد من التوظيف لكوادرها في المؤسسات الحكومية المتخمة أساساً بالكوادر التي لا تجد عملاً وتعتبر عالة على خزينة الدولة.
وعندما تعجز خزينة الدولة عن تسديد فاتورة فساد السلطة يتم اللجوء الى تحميل المواطن البسيط نتائج ذلك الفساد الذي لو تم حساب بعضه وتم تحصيله واعادته الى الخزينة لأصبحنا في غنى عن أي جرعة, وبعملية حسابية بسيطة اذا امكننا احتساب المبالغ التي صرفت –نقداً- سواء من رئاسة الجمهورية أو من الحكومة بهدف شراء الولاءات أو التوظيف والتجنيد السياسي لعشرات الآلاف واختراع المزيد من المؤسسات والوظائف العليا لشراء الذمم والولاءات وصرف عشرات السيارات ومنح ملايين الريالات لجمعيات دينية تابعة لأطراف سياسية لعرفنا الكارثة التي ارتكبتها السلطة الحالية, اما اذا اضفنا بنود الفساد السابقة وعلى رأسها عشرات الآلاف –ان لم تكن مئات الآلاف- من الأسماء المجندة في الجيش والأمن الغير عاملة والتي تتقاضى مرتباتهم شخصيات نافذة في الدولة او يستلمون مرتباتهم وهم في منازلهم إضافة الى المليارات التي تصرف على مصلحة شؤون القبائل وغيرها الكثير الكثير من أبواب الفساد المشرعة من عهد صالح والتي ازدادت اتساعاً في عهد هادي لعرفنا حجم الكارثة التي أوصلنا اليها نظام المبادرة الخليجية.
حتى شرعية النظام –رئاسة, نواب, شورى, حكومة- مشكوك فيها, فلا أتى النظام بانتخابات حرة ونزيهة, ولا أتت به الشرعية الثورية, ولا تقيد بسنتي المبادرة الخليجية, ولا عبر عن مصالح المواطنين وأثبت وجوده وضرورته على الأرض وأصبح شرعياً بحكم تمثيلة لتلك المصالح المشروعة للمواطنين, ولا حتى شرع النظام في إصلاحات حقيقية وملموسة يمكن معها التعويل عليه وتحمله قليلاً الى أن تستقر الأوضاع وتُجرى الانتخابات.
العملية السياسية بعد مؤتمر الحوار حُرفت عن مسارها, وزَورت لجنة الأقاليم تقريرها, وفُرِغَت الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار من صلاحياتها, وسُلمت مخرجات الحوار لحكومة فاسدة فاشلة على عكس ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر في ان المعني بتطبيق المخرجات هي حكومة شراكة وطنية تُمثل الجميع.
نحن أمام نظام كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى, الأفق مسدود, الأمل في الإصلاح منعدم, أوضاع الموطنين تزداد سوء, حياتهم ِأصبحت جحيم, البلد مهدد بالتفتت, الجماعات الإرهابية تسيطر على محافظات بأكملها وتعيث فيها ذبحاً وفساداً, وكل تلك التراكمات –المذكورة أعلى هذا- تقول وبكل صراحة أن النظام الحالي غير شرعي, وأن الثورة عليه آتية لا محالة, وقد لا يُكتفي في الثورة الجديدة بإسقاط الجرعة والحكومة –كما يعتقد البعض- بل قد يرتفع سقف المطالب الى اسقاط النظام, فهل تدرك الكروش المتخمة بالفساد ذلك؟, لا اعتقد, فالأنظمة قبل سقوطها تصاب دائماً بالعمى والصمم ولا ترى او تسمع الا ما تريد, هكذا علمنا التاريخ في أهم دروسه التي يمكن تلخيصها في العبارة التالية التي قالها أحد المفكرين: "أهم درس من دروس التاريخ أن لا أحد يتعظ من دروس التاريخ".
"نقلاً عن صحيفة الأولى" 16 / 8 / 2014 م
علي البخيتي [email protected]