ربيع الأنظمة وشتاء الإسلام السياسي
علي البخيتي
الربيع العربي لم يؤدي الى سقوط بعض الأنظمة الدكتاتورية فقط إنما أدى الى سقوط بعض حركات الإسلام السياسي التي ضل بعضها في صفوف المعارضة لأكثر من ثمانية عقود, وما حصل لحركة الإخوان في مصر خير شاهد على ذلك .
السقوط الذي أعنيه هنا ليس كسقوط الأنظمة أو أحزابها إنما هو سقوط الشعارات التي ضلت تلك الحركات تنادي بها لعقود وتهاجم الأنظمة عن طريقها وتبني قواعدها الشعبية في الطبقة الفقيرة عبر ترديدها .
ليس مستغرباً التغير الحاصل في مزاج جزء كبير من الشعوب العربية من مناصرة الإخوان الى معاداتهم, إنما المستغرب هو الوقت التي حصل فيه هذا التغيير, فالأنظمة القومية التي حكمت استطاعت ان تقنع جزء كبير من شعوبها ولعقود أنها أنظمة شرعية مقاومة – بغض النظر عن صدقها من عدمه – وكانت علاقتها مع الغرب واسرائيل خصوصاً في شد وجذب وأنا هنا أتكلم عن نظام جمال عبد الناصر والأسد وصدام حسين مع الفارق بين كل نظام والآخر .
باعتقادي أن السرعة في تغير المزاج الشعبي - من غير المنتمين لتلك الجماعات - من مؤيدين الى معارضين يعود بشكل أساسي الى ثلاثة عوامل :
العامل الأول / هو الطفرة التكنلوجية الهائلة وتمكنها من نقل الحقائق بسرعة خيالية وهذا العامل تحديداً كان موضوع مقالي السابق بعنوان " صح النوم أيها الزعيم " .
العامل الثاني / الانبطاح السريع الذي أظهرته تلك الحركات تجاه الغرب وقضية فلسطين بشكل عام وتجاه السيادة الوطنية لكل بلد بشكل خاص, فاعتراف إخوان مصر في يوم وليلة باتفاقية كامب ديفيد وملاحقها ورسالة مرسي للرئيس الاسرائيلي وكذلك عدم اتخاذ حكومته اي اجراء عادي وسيادي ضد اسرائيل كسحب السفير من تل ابيب او طرد السفير الاسرائيلي كخطوة احتجاجية على عدوان غزة, كما أن المواقف التي ظهر بها إخوان اليمن تجاه الضربات الجوية الأمريكية أظهرهم أكثر انبطاحا تجاه أمريكا من أقرانهم في بقية الأقطار خصوصاً أن اليمن هي الدولة العربية الوحيدة التي تُنفذ فيها مثل تلك العمليات, بل ووصل الحال بإخوان اليمن الى الدفاع عن تلك التدخلات الأمريكية والتبرير لها وبشتى الوسائل ومهاجمة كل من يعارضها, كل تلك المواقف عرت تلك الجماعات تماماً تجاه شريحة مهمة كانت تظن فيهم خيراً تجاه قضية فلسطين وقضايا السيادة الوطنية .
العامل الثالث : النهم الشديد على السلطة والمال وسرعة إقصاء الخصوم من المواقع التي يتحكمون فيها, والمشكلة ليست في استحواذهم على بعض الوزارات أو المناصب العليا إنما وصل الأمر في اليمن مثلاً الى الاستحواذ حتى على المدارس, كل ذلك سبب رعباً لدى الكادر الوظيفي الضخم في تلك البلدان خوفاً من أن يجدوا أنفسهم بين يوم وليلة خارج أعمالهم .
والخلاصة أن الربيع العربي أطاح بأنظمة قمعية حكمت لعقود لكن التاريخ سيذكر أيضاً أن الشتاء العربي أطاح بمصداقية بعض حركات الإسلام السياسي بعد حكمهم لأشهر فقط, وقد يطيح بالأغلبية التي يحظون بها إن لم يكن بالأنظمة التي يسيطرون عليها.