في الحروب، هناك أخلاق متعارف عليها يحتكم لها المتقاتلين، فلا يجوز قتل الأسير أو الجريح، وغيرها من القواعد التي يعتبر الخارج عنها مرتكبا لجريمة حرب، فحتى الحرب، فيها جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، وحتى القوانين المحلية.
إذا كان العدو المقاتل يحظى بحقوق يعتبر الخارج عنها مجرما فكيف يكون الأمر عندما تواجه إنسانا اعزل، حتى لو كان من الطرف المعادي، وكيف يكون الحال عندما تواجه مواطنا يعبر عن رأيه سلميا، باعتباره ابن وطنك، كما يدعي الوحدويون؟.
لكن لو تركنا كل ذلك جانبا، وتحدثنا عن خيمة عزاء، نعم خيمة عزاء، تسقط عليها قذائف الدبابات؟، جرائم ضد الإنسانية؟، ممكن، جرائم إبادة جماعية؟، ممكن، الشئ الأكيد الغير ممكن أن يكون هذا السلوك، سلوكا وحدويا، أو نظرة عسكري مواطن تجاه مدني مواطن.
لا يدري احدنا أي قواعد أخلاقية ينطلق منها القائد الذي يأمر جنوده بقتل أناس عزل، أي قواعد أخلاقية تحرك القائد الذي يسمح بضرب خيمة عزاء أو مسيرة في جنازة، ثم ما هي الأخلاق الوحدوية، إذا افترضنا أن هؤلاء القادة وحدويون، التي يشحنون من خلالها جنودهم بأن هذا المواطن الجنوبي، مواطن ينتمي لطرف معادي ويجوز قتله، اعزل في مسيرة، أو سائر في جنازة، أو يحضر عزاء في خيمة؟.
لا يفارق ذهني مشهد ذلك الجندي الذي يطلق النار على مواطن يصرخ من الألم، دون أن تعتري ذلكم الجندي شفقة أو رحمة.
هذا الجندي كان ذات يوم مواطنا عاديا، يحب أناسا مثله، ويعطف على من يحتاج المساعدة، وربما ذرف يوما دمعة شفقة في موقف مؤثر يقع لإنسان أو حيوان، لكن من ذاك الذي حوله إلى مخلوق فاقد لآدميته؟ من ذاك الذي اشحنه ضد أناسا مثله، لهم بيوت وأطفال وآبا وأمهات، عزل، يصدرون اصواتا لا تصيب أحدا بضرر؟
أن الحديث عن الوحدة في ظل هذه الممارسات والسلوكيات يصبح حديثا عبثيا لا طائل منه، فالحديث الوحدوي تكذبه الممارسات العدوانية التي يتعرض لها الناس في الجنوب.
ثم أين ذهبت أخلاق وسائل الإعلام وفرسان الكلمة، هذه الوسائل التي تتصيد مسيرة من بضعة أشخاص في حارة من حواري المدن المصرية، أو قرية من قرى الشام أو زقاق من أزقة مدن لا حيز لذكرها؟.
أذهبت الأمة بذهاب الأخلاق؟
فقد قال شاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فأن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا