مشاعري مُلتبسة بين دعم مطالب الجنوبيين بحقوقهم وبين رفضها بسبب ربط البعض لتلك المطالب باستعادة الدولة أو الانفصال, أحب الوحدة وأتمنى أن تستمر, أحس بمظالم الجنوبيين واتعاطف معها وأخشى من ربطها بالعودة الى ما قبل 90 م, ليس لي مطامع أو مصالح في الجنوب لكني أحب عدن واعشق المكلا وساحلها, اريد أن ازور تلك المناطق دون الحاجة الى جواز سفر, هكذا ببساطة أشعر بحرية أكثر عندما أرى الخارطة اليمنية ممتدة من صعدة الى المهرة.
اسأل نفسي هل يوجد حل يجمع بين ما يُطالب به الإخوة في الجنوب وبين ما يتمناه أمثالي من مواطني الشمال؟ ما ذنبنا نحن لنُحرم من شم بخور عدن والتمتع بجمالها؟ ما ذنبنا لنحرم من كريتر والمعلا والتواهي؟ ما ذنبنا لنحرم من حضرموت والمكلا والمهرة؟ ما ذنبنا لنحرم من التنقل بحرية في الجنوب عموماً اذا ما حدثت الكارثة؟
أين صحيفة الايام؟ أين تلفزيون وبرامج قناة واذاعة عدن الاصلية؟ اين وجه عدن المدني؟ اين الفن والغناء اللحجي والحضرمي؟ اين دولة القانون في الجنوب التي كان يتم فيها ايقاف الوزير اذا خالف المرور؟ اين نحن عندما نهبوا الجنوب وبسطوا على أرضه وثرواته وأقصوا انسانه؟ اين نحن عندما فعلوا كل ذلك بالجنوب؟
أسأل نفسي هل أنا مشارك في تلك المأساة؟ بحكم سني الاجابة قطعاً بلا, لكني حتماً أتحمل جزء من المسؤولية عن أي تداعيات جديدة, وكلنا انفصاليون اذا صمتنا.
لم أبسط على أرض في الجنوب ولم احتل بيت علي سالم البيض ولم اسيطر على بئر نفط او غاز او منطقة صيد حصرية, لم اشارك في حرب 94م ولم أكَفِر الحزب الاشتراكي وابناء الجنوب ونسائه وأطفاله, فلماذا أدفع أنا وغيري ثمن أخطاء عصابة 7/ 7؟
الجنوب يكاد يضيع منا, سنفقد عدن حاضرة اليمن, سنفقد حضرموت وجمال مدنها و مبانيها وتراثها الثقافي واعتدال علمائها, لماذا اُصبنا بالتبلد تجاه ما يحدث وكأن تلك الأحداث في جمهورية الصومال؟
هذا وطننا, مكان عيشنا, مستقبل أولادنا, يجب ان ندافع عنه ونتحدث عن مشاكلة, فالحياد الايجابي الذي تمارسه بعض النخب السياسية والثقافية في الشمال وفي الجنوب أيضاً غير مقبول في هذا الظرف الحساس الذي يمر به البلد, كلمة الحق اليوم فرض عين وليست فرض كفاية, كلمة الحق كفيلة بإعادة اللحمة الوطنية عبر جعل المطالب الجنوبية باستعادة الدولة مطالب شعبية باستعادة الدولة لكل اليمن وفي كل اليمن, من صعدة الى المهرة.
الشمال مشتعل بالحروب, والجنوب ملتهب بالحركات الاحتجاجية, والوسط غارق في فوضى أمنية, وللأسف فان البعض لا يزال صامتاً, لا يجرؤ على قول كلمة الحق, ويسبح في فضاء الأمنيات وكوكب الموفمبيك كما قال الكاتب الرائع سامي غالب, يعتقدون أن حبر مخرجات مؤتمر الحوار كفيل بحل كل المشكلات.
بالتأكيد أن الحوار مهم, وان مخرجات المؤتمر أهم, لكن المحافظة على ما تبقى من مؤسسات الدولة ونسيجها الاجتماعي ووحدة ترابها يجب أن يقفز الى رأس أولوياتنا, فمخرجات الحوار بحاجة الى من يطبقها, والى أرض تطبق عليها, اليس كذلك؟؟
اين الكتاب والشعراء والمثقفين والادباء والفنانين والسياسيين مما يحدث؟ اين المهندسين والاطباء والعلماء ... الخ؟ اين الجميع؟ هل تتنظرون الى أن تتحول اليمن الى سوريا أو عراق أو صومال جديدة؟ هل تستبعدون مشاهد الذبح وتعليق الرؤوس وأكل الأكباد؟ هل تعلمون أن تلك المشاهد بدأت تظهر في صعدة وعلى يد نفس المجموعات التي كانت في سوريا؟ هل تخشون النظام أو مراكز السلطة فيه اذا تكلمتم بالحقيقة؟
يجب أن نرفع جميعاً شعار " بناء الدولة " دولة بما للكلمة من معنى, ففي ضل الدولة ستلبى مطالب الجنوبيين السياسية والحقوقية, وسيعوض ابناء المحافظات الشمالية عن ما لحقهم من ظلم واقصاء, وستعود الحياة والمدنية الى تعز.
قد يكون السكوت من ذهب أحيناً لكن الكلام لا يُقدر بثمن الآن, لأنه قد يساهم في الحيلولة دون دخولنا في النفق الذي اذا دخلناه لن نعرف متى سنرى النور في آخره, بل قد لا تراه الا الأجيال التي بعدنا.
صمتنا وخنوعنا وتبلدنا يجعلنا شركاء في ما يحدث شئنا أم أبينا, وأنا هنا لا أقصد أن نكتفي بالكتابة في الجرائد أو في الفيس بوك او نتكلم على الشاشات, أقصد أن نتحرك بشكل عملي ومجتمعي لنجعل من شعار " بناء الدولة " شعاراً يخرج الناس للتظاهر من أجله ويتكلمون عنه في مقايلهم ومجالسهم ومساجدهم, ليطغى ذلك الشعار على كل الشعارات المناطقية والمذهبية والفئوية, فهل نحن فاعلون؟