إذا أردت أن تكون عظيما يحتفل بك الناس ويمجدونك ويذكرون محاسنك وسيئاتك ، ما عليك إلا أن تفارق هذه الدنيا النكدة وتشرع في رحلتك لمعانقة الحور العين .
اليمن الذي قيل عنه ـ زورا وبهتانا ـ اليمن السعيد لا توجد فيه راية أو علامة للحياة وفسحة للأمل ، إلا راية الموت والدمار والخراب .
فدعاة الموت ومروجي القتل عند كل باب ، وفوق كل منبر ومسجد ، والمزايدة على الموت والقتل تجارة رائجة وحلبة مصارعة قابلة للانفجار والتوسع ابتداء من مناصرة إخواننا من مجاهدي الناتو في ليبيا التي يقتل شعبها ويحترق كل شيء فيها ، ما عدا أنبوب النقط الذي يصب في البنوك الغربية الدافئة ، مرورا بقتال النظام النصيري الكافر في سوريا لتحرير بيت المقدس ؟! ، انتهاء بالدعوة للاقتتال الطائفي للشعب اليمني في جبال دماج وكتاف بصعده ، فهناك خلف كل شجر وحجر شيعي يستوجب قتله وسلخ فروة رأسه ! .
انقسم الشعب اليمني بين قاتل ومقتول بين ضحية ومستفيد ، فثلث الشعب اليمني مناضلون افرزتهم الصراعات السياسية والحزبية السابقة واللاحقة ، والثلت الآخر شهداء مستعدون لنحر أنفسهم في كل صراع داخلي أو خارجي باسم نصرة الدين وإخواننا المظلومين في كل مكان حاشا إسرائيل فإنها محرمة بقرار أمريكي غربي ، والثلث الأخير إحياء أموات يبحثون عن ثارات قتلاهم من المناضلين والشهداء ؟! .
القاعدة الذهبية في بلد حكومة الوفاق السعيدة بالمناصب والغنائم أن تموت وتغادر الدنيا لتحظى بالعظمة والتبجيل والبكاء عليك وتعداد انجازاتك ، فمها أنجزت وضحيت من اجل وطنك وأمتك ، ولو نيلت جوائز نوبل كلها ، فلن تشفع لك وستظل مهملا مطاردا تستجدي أسرتك بأبواب المسؤلين ، وتستغيث الصحف والمجلات للنظر إليك بعين الرحمة والشفقة ؟ .
وللعلم فقط ليس كل من يموت أو ينحر ينال هذا الرضا الحكومي العظيم ، بل هناك شروط ومواصفات قاسية وخيالية يجب تجاوزها لتحظى بذكر اسمك في الصحف ووسائل الإعلام مرفقا بتعزية من رئيس أو زعيم أو مسؤول ، فمن تلك الشروط أن تسطو على أموال الدولة والمواطنين ، وان تدوس القانون والدستور تحت أقدامك الثورية ، فهاهنا سيأتي النعي الرسمي بأنه قضى معظم حياته في خدمة الوطن والمواطنين ، أما إذا سنحت لك الفرصة وفتح لك القدر أبوابه ، ووفقت في خطف ما ملكت يمينك من السواح الغربيين أصحاب الفدية بالعملة الصعبة ، فذكرك وصيتك سيتجاوز اليمن وستمجد في الصحف الغربية وتتناقل وسائل الإعلام الأجنبية معاركك وشمائلك الوطنية ، المرتبة الأعلى والتي قلما يصلها أبناء ادم ، فهي أن تنجح بقطع خطوط الكهرباء أو تفجر أنبوب النفط ، فهاهنا ستفتح عليك أبواب الخير كله ، وسترسل لك الدولة الوسطاء لارضائك والتحكيم القبلي على حكمك ورضاءك ، وستجد التلفزيون الحكومي يدافع عنك ويرفع الظلم والغبن عنك من الأقلام والألسن الحاقدة .
الدرجة الملكية في الرضاء الحكومي أن تكون شيخا قبليا قام بتهجير امة من الضعفاء وخاض حروبا قبلية ومذهبية وهيمن على الشركات النفطية وفاز بكل المناقصات الحكومية ، فحينها سيتم إضافتك مباشرة إلى مؤتمر الحوار الوطني لتشكل دولة تسمى مدنية تتوافق مع تطلعاتك البطولية وانجازاتك الأسطورية ، وستمنح لك الحصانة المستقبلية ولو دعوت للقتال والفتنة بين أبناء الشعب اليمني ، وستتسابق عليك الدول والقوى الإقليمية والدولية لتعتبرك الراعي واللاعب الحصري بالإنسان والجغرافيا والاقتصاد ببلد ما زال بعض الأغبياء يطلق عليه اليمن السعيد ؟! .