اكتوبر الحلم الذي ضاع

2013-10-13 07:11

أفقت من اغماءتي على صوت ابنتي الصغرى ( ايات ) : شوف .. شوف ياباه يتكلموا عن اكتوبر . 

هي لم تدرك بعد معنى اكتوبر واختلط عليها الامر ما بين  6 اكتوبر 1973 والذي حقق فيه العرب اكبر انجازاتهم الحربية ضد العدو الصهيوني و بين 14 اكتوبر 1963 ذلكم اليوم الاغر الذي اعلن فيه شعب الجنوب ثورته على الاستعمار البريطاني ، كانت معظم القنوات الفضائية تتحدث عن انتصار 6 اكتوبر الذي اعاد شيئا من كرامة العرب قبل ان يعيد قادة وملوك وامراء الزمن العربي الردئ تمريغها في وحل التبعية الذي كادت الشعوب تتخلص منه بنصر اكتوبر 73م .

(ايات ) لم تعش شيئا من ايام ( اكتوبرنا ) 1963 - فهي من مواليد زمن الوحدة المغدور بها - ولم تعي  حجم الاحلام والطموحات التي كنا نرسمها كبارا وصغارا ونشد العزم جمعا للسعي لتحقيقها قبل ان تغتال غدرا وخيانة بعد نحو سبعة وعشرون عاما من ميلادها ، لذلك فهي ـ ايات ـ رأت ان هذه الحفاوة تليق بحدث مثل اكتوبر الذي ارتسم في مخيلتها من خلال كتب المدرسة كيوم ثورة ، وفي حقيقة الامر ان محتوي هذا اليوم قد طمس كليا خلال العقدين الاخيرين من الزمن وبالكاد يذكر في بضعة دروس لطلاب الابتدائية كنوع من التكفير عن الذنب وعلى استحياء من ( اكلة لحوم الوطن ومفترسي قيم ومبادئ الثورات ) حتى لا تعرف الاجيال الجديدة تاريخها ومسيرة نضالات اوطانها وبالتالي يتم اعادة صياغة وكتابة التاريخ واحداث الثورة ومسيرة نضال شعبنا ( علي ما يشتهي الوزان ) .

 

ومن لا يصدق  هذا الكلام عليه ان يرجع لمطالعة كتب جميع المراحل الدراسية بما فيها الجامعية ، وكذا الكتب والمؤلفات التي صدرت سوى بصورة رسمية ومن قبل دوائر ومؤسسات الحكومة او من قبل دور النشر المختلفة وما وثق من محاضرات وشهادات  وندوات في مناسبات مختلفة وكلها ترمي الى كيل هالات من التراب على تاريخ ثورة 14 اكتوبر 1963 وطمس نضالات شعب الجنوب في التحرر والاستقلال بل ان الامر تعداه الى تزوير الوقائع واعادة رسم وتصوير الاحداث خلال فترة الكفاح المسلح ، بل ان الادهى والامر  ما جرى من اعمال لوأد وتشويه تجربة الثورة الوطنية في الجنوب مابين 1967 وحتى 1990م وما تحقق فيها من منجزات ومكاسب لجموع ابناء الشعب ، بدء بالعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية الى تحقيق الامن والاستقرار وفرض هيبة دولة النظام والقانون علي كامل حدود البلاد ، وصولا الى البنى التحتية والخدمات الاخرى .

 

• وحتى لا نجد من يصطاد في الماء العكر ممن تخصصوا في حمل معاول الهدم لارضاء السلطان ، نقول صحيح ان رغد الحياة لم يصل الي الكمال ، وان هناك منغصات كثيرة وصراعات سياسية مسلحة وعمليات احتراب ومحاولات لالغاء الاخر ، نرد ونقول دعونا نحاكم تلك المرحلة وفقا وقانون وزمن الامس لا وفقا والحاضر ، ولذلك فالمؤكد ان خلال فترة الحرب الباردة وقد كنا نتأثر بمجرياتها فان خصوم تلك المرحلة لم يكونوا وفق مبادئ اليوم ولكنهم ـ من منظور تلك المرحلة ـ كانوا يشكلون خطرا على مسيرة التحول ، ولا يمكن لاحد انكار كم كان مستوى الامن والاستقرار قائما لدرجة ان اذا تعطلت سيارتك في صحراء قاحلة ستعود لاصلاحها بعد شهر دون ان يمسها ضرر بعكس اليوم حيث تسرق وسط العاصمة وفي وضح النهار  وحكاية الصراعات فقد كانت ضمن ملفات الصراع والتربص بتجربة الجنوب ومع ذلك فانها لم تكد تخرج بتاثيراتها السلبية بعيدا فهي تنحصر في زمان ومكان محددين وسرعان ما يبدأ النهوض مجددا لاعادة العمل والبناء ولا يعيرون اهتماما يعيقهم عن السير قدما لصالح السواد الاعظم ،  وكيف كانت هيبة الدولة حاضرة فوق راس اكبر كبير وكيف كان ابن الوزير وحارسه يختصمون في قفص واحد  فيما اليوم  تجد الوزير او القائد العسكري يصنع من نفسه دولة  بل تجد ان الشيخ يسحل الوزير سحلا ،  وكيف ان كيلو الرز في عدن بذات السعر في اقصى المهرة واليوم تجد العشرات يقتاتون علي مكب القمامة .

ومن يتجرأ ويذكرني انه ذات يوم ان حدث اختطاف اجنبي او اغتيال دبلوماسي في اقصى قرية فما بالك ان يتم اليوم نهارا جهارا في قلب العاصمة .

 

•سؤال ( ايات ) ليش كيف كنتوا تعيشوا ؟ فجر في داخلي بركان اسى وحسرة .

ولم اقو علي اجابتها ، فقط تنهدت وعدت الى اغماءتي اتحسس الماضى من وراء جفون مسدلة على حاضر مزر وواقع اليم وانتكاسة حلم ترعرع في قلوبنا ونما مع اجسادنا واخذ يكبر ويكبر قبل ان ينهار بمعول محاولة العبور الى شط ذلكم الهدف المنشود الذي كنا نتغنى به منذ غرسه الآباء في عقولنا وذاكرتنا وقلوبنا وظل هاجسا نسعى لتحقيقه بعد ان رفع كشعار  وهدف سام واجب التحقيق . ولم نكن نعي وندرك في غمرة الهياج الثوري الذي الهبت حماسنا من خلاله تطلعاتنا المشروعة واحلامنا ان ذاك الهدف السام - سيكون فعلا ساما ـ وسوف يقضي على كل شي جميل في حياتنا وسوف يصادر احلامنا وتطلعاتنا  ويحرقها لينثرها رمادا علي مباخر جنرالات الحرب وشيوخ الفيد .

 

• كان اكتوبر فجرا بمعنى الكلمة اضاء دروب شعب وكان حافزا ومفجرا لطاقات هائلة من التضحية والنضال وصولا الى تحقيق النصر في ثلاثين نوفمبر 1976م ، ولم يقف قطاره عندها بقدرما شحنته الجماهير التواقة للتحرر والتقدم بطاقة عطاء متجددة ، وتنافست العقول والايدي لبدء مرحلة بناء في ظرف صعب جدا تحدت من خلاله الصعاب  ومؤامرات المحيط الاقليمي واستشرفت المستقبل ‪.وعبرنا باحلامنا الي شواطئ الرضاء والاطمئنان قبل ان تغتالها قوى التخلف والهمجي .

 

•  اعتذر حبيبتي ايات منك ومن جيلك في عدم الرد واشفاء لهفتكم عن محتوى اكتوبر ذلك لان اكتوبر عصي على ان نحصره في شي من الكلمات . فهو اكبر من مجرد ثورة شعب انتفض على مستعمريه .. انه اكتوبر الارادة ..اكتوبر الحلم .. اكتوبر الانتصار .. اكتوبر الكرامة والعزة .. اكتوبر الانسان والبطولة .. اكتوبر الشهادة والتضحية .. اكتوبر الحياة المنبعثة من ركام 139 عاما من الاستعمار والاضطهاد ،

• وربما غدا مثلما ولد اكتوبر من رحم معاناة جيل ابى الانكسار ورفض الذل والخنوع ،، ربما ان اكتوبر جديد يولد من رحم هذه المعاناة .. وما اشبة الليلة بالبارحة. حينها ستدكين انت وجيلك الذي ولد في زمن الا زمن ، معني اكتوبر الحقيقي .