قراءة في تحولات المشهد في الجنوب العربي
يشهد الجنوب العربي اليوم مرحلة مفصلية من تاريخه السياسي والوطني، مرحلة يمكن توصيفها بدقة بأنها زمن تشكل خارطة جديدة، في مقابل تلاشي خارطة قديمة فقدت مبررات بقائها، وسقطت عمليًا تحت وطأة الفشل والعجز وفقدان الشرعية الشعبية.
خارطة تتلاشى
الخارطة التي تتلاشى ليست مجرد حدود جغرافية، بل هي مشروع سياسي كامل بُني على شعارات كبيرة، لكنه في الواقع أنتج دولة فاشلة، وسلطة غائبة، ومؤسسات معطلة، وأزمات متراكمة.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن المنظومات التي تدّعي تمثيل اليمن الموحد لم تعد قادرة على إدارة الأرض ولا حماية الإنسان، ولا حتى الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الدولة. غابت الخدمات، تآكل الاقتصاد، انهارت العملة، وتحوّل القرار السيادي إلى قرار مرتهن، فيما ظل المواطن يدفع الثمن وحده.
هذه الخارطة تتلاشى لأن شعوبها لم تعد تؤمن بها، ولأنها قامت على الإقصاء والضم والإلحاق، لا على الشراكة والعدالة. والتاريخ علّمنا أن أي كيان سياسي يفقد رضا الناس، يفقد تلقائيًا أسباب استمراره مهما طال الزمن.
خارطة تتشكّل
في المقابل، تتشكل في الجنوب العربي خارطة جديدة، لا تُرسم بالحبر على الورق فقط، بل تُصاغ بالإرادة الشعبية، وبالتضحيات، وبالوعي المتراكم.
خارطة عنوانها استعادة الدولة، وبناء مؤسسات حقيقية، وترسيخ الأمن، وفرض النظام، والانتقال من مرحلة ردّ الفعل إلى مرحلة الفعل السياسي المنظم.
إن ما يميز هذه الخارطة الناشئة هو أنها تنطلق من واقع الأرض، ومن هوية واضحة، ومن مطالب عادلة، بعيدًا عن الأوهام والشعارات المستهلكة. هي خارطة تبحث عن شراكات إقليمية ودولية متوازنة، وتحترم المصالح المتبادلة، وتدرك أن العالم اليوم لا يعترف إلا بالكيانات القادرة على إدارة نفسها.
بين الخارطتين… يقف الجنوب
الجنوب العربي اليوم يقف بين خارطتين:
خارطة انتهى عمرها الافتراضي ولم يعد لها سوى الضجيج الإعلامي،
وخارطة في طور التشكل تحتاج إلى رصّ الصفوف، وتوحيد الكلمة، وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في إعلان المواقف، بل في القدرة على تحويل هذا التحول التاريخي إلى مشروع دولة، تُدار بالعقل لا بالعاطفة، وبالقانون لا بالفوضى، وبالمؤسسات لا بالأفراد.
خاتمة
إن ما يحدث في الجنوب العربي ليس طارئًا ولا عابرًا، بل هو نتاج مسار طويل من المعاناة والتجارب.
خارطة تتلاشى لأنها فشلت، وخارطة تتشكل لأنها تعبّر عن تطلعات شعب.
وبين التلاشي والتشكل، يُكتب فصل جديد من تاريخ الجنوب، فصل
عنوانه: الإرادة أولًا… والدولة هدفًا.
20 ديسمبر 2025م