بين الدم والقانون: جريمة تُرتكب باسم العُرف

2025-12-16 09:43

 

شهدت محافظة شبوة حادثة مؤسفة وخطيرة تمس جوهر السلم الاجتماعي، وتكشف حجم الخلل الذي يصيب المجتمعات حين يُستبدل القانون بمنطق الثأر، ويُقدَّم العنف على الشرع، وتُرتكب الجرائم باسم العُرف.

 

وتتمثل الحادثة في أن أحد أبناء قبيلة أهل باحاج أقدم على قتل أحد أبناء قبيلة آل الأسود، ثم لجأ إلى أهله. وفي اليوم التالي، قام أهل القاتل بتسليمه إلى أهل المقتول، قائلين لهم: هذا هو القاتل، إما أن تُعدموه أو تعفوا عنه. وبعد ذلك تم قتل القاتل فورًا.

 

إن ما حدث هنا لا يمكن تبريره أو تزيينه بأي حال من الأحوال، فهذه الواقعة تُعد جريمتين لا جريمة واحدة:

الأولى جريمة القتل،

والثانية جريمة القتل خارج إطار الدولة والقضاء.

 

وما يجب التأكيد عليه بوضوح، أن تسليم القاتل إلى غير الجهات القضائية لا يُحسب موقفًا إيجابيًا، بل هو مشاركة مباشرة في فعل خارج القانون والشرع، وتخلٍّ خطير عن مسؤولية تسليمه للدولة. كما أن تنفيذ القتل من قِبل أهل المقتول يُعد جريمة أخرى لا تقل خطورة، ولا تستند إلى شرع ولا قانون ولا أعراف قبلية صحيحة.

 

فالشرع الإسلامي واضح، والقانون واضح، والأعراف القبلية الأصيلة كذلك واضحة:

القصاص لا يكون إلا عبر القضاء، وبحكم شرعي وقانوني، وليس بأيدٍ منفلتة ولا بقرارات لحظية تُدار بالغضب.

 

إن هذه الممارسات تُعد عادات دخيلة على مجتمعنا، وتفتح باب الفوضى، وتكرّس منطق الانتقام، وتهدد السلم الاجتماعي في محافظة شبوة، بل وفي الجنوب عمومًا، وتحوّل القبائل من حواضن للاستقرار إلى ساحات للدم.

 

من هنا، فإن المسؤولية تقع على الجميع دون استثناء:

على أولياء الأمور، والمشايخ، والوجهاء، والسلطات المحلية، أن يرفضوا هذه الأفعال، وأن يؤكدوا أن القضاء هو الجهة الوحيدة المخوّلة بالحكم والفصل، وأن أي تجاوز لذلك هو جريمة يجب عدم تكرارها أو التهاون معها.

 

إن السكوت عن مثل هذه الحوادث، أو تبريرها، يعني القبول بدوامة لا تنتهي من الدم، ولن يحفظ حقًا، ولن يحقق عدلًا، بل سيضاعف المآسي ويهدم ما تبقى من القيم.

 

نطالب الجميع بأن تكون هذه الحادثة نقطة توقف لا بداية، وأن لا تتكرر مرة أخرى، وأن نعود إلى العقل، وإلى الشرع، وإلى القانون، قبل أن يدفع المجتمع ثمن الغباء والاندفاع بأرواح أبنائه.

 

والله من وراء القصد.