مشكلتنا مع اليمن لم تكن يومًا خريطة وحدودًا، كبرتُ وأنا أقرأ عن ممالكٍ تمددت جنوبًا وشمالًا، وصنعت حضاراتٍ لا تزال آثارها شاهدة. لكنني، مع كل تجربةٍ سياسية وإعلامية بعد الوحدة، رأيت شيئًا مختلفًا: ماكينة تعبئة لا تتوقف، تُدار من نخب اعتادت أن ترى الجنوب هامشًا لمدينتها الكبرى، لا شريكًا له رأي وإرادة.
كانوا يملكون المنابر والانتخابات وخيوط الدولة والمعارضة، واستخدموا كل ذلك ليقنعوا الناس أن الجنوب “ملف إداري” لا قضية شعب، مع ان الجنوب هو من صنع الوحدة وهو المعادلة الأكبر والأهم في الخارطة الجغرافية والسياسية.
كبر هذا الخطاب حتى صار سلاحًا: يفتون ضد الجنوب العربي، يبررون العنف عليه، ويختزلون أحلام أبنائه في شعارات صغيرة. يومًا قاتلوا وطردوا صُنّاع الوحدة، واحرمهم حتى من امتلاك جواز السفر، ويومًا آخر أهانوا رموز الشرعية، التي انتخبوها بأيديهم، ثم حاولوا جرّ الحرب إلى عدن من مأرب وتعز، بينما تُساق الحملات الإعلامية لتحريض تعز على الجنوب ومأرب على الجنوب، كأن المطلوب أن نبقى مجرد ساحة اختبار لغرور السلطة.
لم تكن الفوضى صدفة. رُعيت شبكات التطرف، وتُركت الأبواب مشرعة للفوضى والفتن، فقط كي يبقى الجنوب ضعيفًا وتابعًا. وحين نتحدث عن تسوية عادلة، يضعون على الطريق ألغامًا سياسية وأمنية تكفي لإفشال أي محاولة.
لذلك السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي سيتغير إن عقدنا اتفاقًا جديدًا مع الذهنية نفسها؟ التجربة تقول: سنعيد مشهد الرئيس البيض والرئيس هادي، وسيدفع الجنوب العربي الثمن، وسيواصل اليمن معاناته وهو يصفق لشعارات الوحدة اليمنية.
مشكلتنا إذن مع نخبةٍ اعتادت احتكار الدولة ومصالحها في الأساس، حتى حين شنّت الحرب وأصدرت فتاوى ظالمة لتبريرها. لذلك لا ثقة لدينا بأي “وحدة” جديدة ايًا كان نوعها مع هذه النخبة.
إن تغيّرت النخب وعقليتها، فلكل حادثٍ حديث؛ أمّا الآن فالحاجز الواجب إقامته بيننا وبينهم هو حاجزٌ سياسيّ وجغرافيّ، بحماية عسكرية وأمنية، يحصّن الجنوب من فكر يفتك بأصحابه قبل سواهم.
#ياسر_اليافعي