*- تقرير خاص لـ "شبوة برس"
شكلت الوحدة اليمنية عام 1990 لحظة أمل لشعب الجنوب العربي، آمن خلالها بمبادئ المساواة والعدالة والتشارك في بناء كيان سياسي جديد. لكن هذا الأمل تحول سريعاً إلى كابوس مع تزايد ممارسات التهميش والإقصاء المنهجي، التي بلغت ذروتها في فصل وطرد مئات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين الجنوبيين من وظائفهم، في واحدة من أكبر عمليات التطهير القائمة على أساس مناطقي وعنصري.
جريمة الفصل الجماعي:
*- تم فصل مئات الآلاف من الكوادر الجنوبية المدنية والعسكرية من وظائفهم بشكل تعسفي وإقصائي.
* -كانت المعايير قائمة على الانتماء الجغرافي والمنشأ، وليس على الكفاءة أو الخبرة.
*- مثل هذا الفصل انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية في العمل والكرامة، وقطع سبل العيش عن أسر كثيرة، مما خلق حالة من الإفقار والحرمان المتعمد.
رمزية الطيار وقصة السوخوي والدراجة:
قصة الطيار الحربي الجنوبي العميد أحمد العباب ساحر السماء، خريج الاتحاد السوفيتي، الذي كان يتحكم في طائرة "السوخوي" في سماء الوطن، ليجد نفسه بعد حرب 1994 يقود دراجة هوائية على هامش الحياة، ومثله عشرات الالاف ليست مجرد حالة فردية. إنها تجسيد حي ومأساوي لسياسة "سحق الإنسان الجنوبي" التي انتهجها النظام في صنعاء. هذه القصة تختزل عملية تحويل كفاءات وطنية إلى أشباح تائهة، حاملةً معها كبرياءها وعزة نفسها كرد فعل على الظلم.
الغدر بالمشروع الوحدوي:
الجنوبي الذي آمن بمبادئ الوحدة السامية، وجد نفسه أمام مشروع مختلف تماماً. مشروع هيمنة وسيطرة، تقوده مجموعة سياسية وقبلية وعسكرية ودينية، جعلت من التوسع والاستئثار بالسلطة غايتها، حتى لو كان الثمن هو تدمير أحلام شعب بأكمله والإجهاز على مكتسباته. لم تكن الوحدة "قهرية" في ممارساتها فحسب، بل كانت أيضاً خيانة للثقة وللأحلام التي بناها الجنوبيون.
الكفر بالوحدة القهرية ركناً من أركان الوطنية:
في السياق الجنوبي، لم يعد رفض الوحدة المفروضة بالقهر والعنف عملاً تخريبياً، بل تحول إلى تعبير عن الوطنية الحقيقية. الوطنية التي ترفض الذل والمساومة على الكرامة. لقد أصبح النضال من أجل استعادة الدولة، بغض النظر عن طبيعتها المستقبلية، قضية كرامة وجودية قبل أن تكون قضية سياسية.
الكرامة فوق كل اعتبار:
الرسالة المركزية التي يوجهها الجنوب اليوم للعالم هي أن المعادلة قد انقلبت. لم يعد الأمر متعلقاً بشكل النظام أو تفاصيل الحكم، بل بتلك القيمة الإنسانية العليا:
"الكرامة".
كرامة إنسان رفض أن يعتاد على الهوان، ورفض أن يتم انتقاصه. إن نضاله هو استعادة لحقه في الوجود بوصفه شعباً حراً له هويته وكيانيته.
خاتمة:
ما حدث للجنوب لم يكن مجرد أخطاء في تطبيق الوحدة، بل كان جريمة عنف بنيوي ممنهج، استهدفت الوجود والهوية والكرامة. إن فصل الموظفين، وتهميش الكفاءات، وتحويل النخب إلى أشباح، هي سياسات لا يمكن أن تلد سوى رفضاً مقاوماً. واليوم، فإن فهم معنى كرامة الإنسان الجنوبي وعزته التي لا تقبل الانتقاص، هو المدخل الوحيد لفك شفرة هذا الصراع وأبعاده الحقيقية.