الجفري : عقد مؤتمرات لتيارات أحادية التوجه قد يؤدي إلى إنشاء متارس للصراع

2012-09-26 14:07
الجفري : عقد مؤتمرات لتيارات أحادية التوجه قد يؤدي إلى إنشاء متارس للصراع
متابعات

الجفري : عقد مؤتمرات لتيارات أحادية التوجه قد يؤدي إلى إنشاء متارس للصراع

 

شبوة برس – متابعات - أكد رئيس حزب رابطة ابناء اليمن "راي" السيد/ عبدالرحمن بن علي الجفري ان عقد مؤتمرات لتيارات أحادية التوجه قد يؤدي إلى إنشاء متارس للصراع مدمرة للقضية الجنوبية، مضيفا ان الإقصاء والأوحدية والوصاية كلها منطلقات لم يعد لها قبول في هذا العصر، لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياًن .

واشار في حديث لصحيفة "الأمناء" الأسبوعية الى ان الاحتجاج بقراري مجلس الأمن 924 و 931 خطأ بالغ فليس فيهما ذكر للجنوب أو للوحدة بل يعالجان أزمة في إطار الجمهورية اليمنية

 

س: كيف ترون المشهد السياسي للقضية الجنوبية، اليوم، في ضوء التوجهات الدولية والإقليمية؟

ج: نحتاج في هذه المرحلة لقراءة علمية عميقة لكيفية رسم دول العالم لسياساتها إزاء منطقة كمنطقتنا ولآليات هذه السياسات ومقتضيات فهمها والتعامل معها والتعاطي بآليات وأدوات العصر العلمية لإستهداف تحقيق ما يريده شعبنا ونريده له وفق احتياجاته وخياراته الحرة.. وما سأورده في هذا الشأن هو جهد أدعو كل المثقفين المتعمقين في هذا الشأن أن يساهموا بجهدهم إثراءً وتبصيراً حتى لا نقع، كسياسيين، في أخطاء قاتلة، تكلف شعبنا غالياً، وهو ما سبب كل كوارث الماضي وما يعاني منه شعبنا اليوم.. فالسياسة علم له قواعده وآلياته وحساباته.

وكمساهمة، متواضعة، في "الغوص" لتوضيح الصورة، من وجهة نظري، في هذه القضية المحورية، فإنني أورد التالي:

أولاً: ما هو معلن دولياً أن المجتمع الدولي يعطي أهمية لحل القضية الجنوبية وأمن واستقرار اليمن ووحدته.

ثانياً: موقع الجنوب له أهمية استراتيجية قصوى للعالم، ليس فقط "لباب المندب" كمضيق وممر دولي ولا فقط لأهمية عدن لحاضر ومستقبل التجارة الدولية، ولكن لوجود سواحل الجنوب على البحر العربي المفتوح والذي يشكل مع جزيرة سقطرى أهم المفاتيح الشمالية الغربية للمحيط الهندي، ولِمَا يمكن أن يشكله ساحلها على البحر العربي من موقع يمكن أن يصبح الأهم لتصدير النفط والغاز، علاوة على هذا الموقع الهام الذي يشكل عمقاً استراتيجياً وبوابة جنوبية للجزيرة العربية ونافذة جنوبية غربية على القرن الأفريقي ونافذة جنوبية شرقية على الهند وباكستان وإندونيسيا وغيرها، مما يجعل دور الجنوب محورياً في محاربة التطرف والإرهاب والتهريب. أضف إلى ذلك الثروات الغازية والنفطية الكبيرة التي يكتنزها الجنوب.

كل هذا يجعل من المستحيل على صنّاع القرار، إقليمياً ودولياً، أن لا يهتموا بهذه المنطقة الحيوية الهامة.

ثالثاً: أفترض أن كل من يتبادل الشأن السياسي في بلادنا يدرك بعمق أن ما هو استراتيجي بالنسبة لنا هو تكتيكي بالنسبة لصانعي القرار في العالم والإقليم. ونعلم جميعاً أن الاستراتيجيات في اي مرحلة يغلب عليها الثبات، بل ثابتة، وأن السياسات التكتيكية أي الأهداف المرحلية والآليات والأدوات والوسائل، دائمة التغيير بما يقتضيه تحقيق الاستراتيجيات بأقل كلفة ممكنة.. ولذلك فإن سياسات العالم والإقليم، نحو أي قضية، ومنها القضية الجنوبية، تدخل في إطار السياسات التكتيكية، أي أن الإقليم والعالم قد يقف في وقت ما بما يبدو متعارضاً مع مطالب الجنوبيين، وهو موقف قد تقتضيه مجريات تتعلق باستراتيجيات تلك الدول، ومن ضمنها عندما لا يطمئن لِمَا هو قادم ومَنْ هو قادم في الجنوب، سواء في التوجه البعيد عن توجهات العصر(التعددي والقابل بالتنوع والرأي والرأي الآخر والنابذ للإقصاء) أو التوجه الذي ينبئ عن إعادة إنتاج الماضي، بثقافته وآلياته وأدواته، وهو التوجه الذي قد باد في القرن الماضي، ليس كأيدلوجية وإنما أيضاً كثقافة سياسية وآليات وأدوات وأساليب، ولا يمكن أن يتصور أي فكر سياسي أن يقبل الإقليم والعالم بقيام "جنوب" يعيد إنتاج ثقافة كهذه.

وفي نفس الوقت، فإن الموقف الدولي الحالي هو موقف تكتيكي قابل للتغيير حال اطمئنانه لما هو قادم في الجنوب، فالعالم يبحث عن مصالحه، وهي مصالح ليست مجردة من الاطمئنان على المحيط الذي تتحقق في إطاره، وهو أيضاً عالم لا يحول دون تحقيق الشعوب لمصالحها إن أدركت مقتضيات هذه القضايا، وليس معنياً بعواطف وحدوية أو رغبات في دولة مستقلة لأي طرف، وسيقف مع من يدرك أهمية تلك المصالح وأهمية أن يصحبها توجه عصري بعيداً عن الشمولية ورافضاً للإقصاء وقابلاً بالتنوع ومدللاً على ذلك بمؤشرات واضحة في التعامل لأن خلاف ذلك يؤدي إلى صراعات داخلية تعيق كل المصالح، المحلية والإقليمية والدولية.. لذلك جاء الأمن والاستقرار "كهدف أساسي" للسياسة الدولية إزاء بلادنا.

فلا نقلق من هذا "المشهد السياسي الدولي" فهو مشهد في "رواية" علينا أن نحسن المشاركة في توجيه كتابة المشهد التالي بما يتوافق مع إرادة شعبنا.

وهناك ملحظ آخر في هذا المشهد نفسه، وهو أنه مبني على مشهد آخر في صنعاء.. وهو مشهد سير الأمور وفقاً لما جاء في المشهد السياسي الإقليمي والدولي.. وبالتالي فإن هذا "المشهد السياسي الدولي إزاء القضية الجنوبية" يعتمد على هذا المشهد في صنعاء الذي أشك أن يتم!!

رابعاً: هناك اتجاهان لأي حركة أو رؤية سياسية.. حركة رأسية وحركة أفقية.. والحركة الرأسية هي في اتجاه دول الإقليم والعالم، التي قد تتصادم معها.. بل إن أي تصرف منّا كقوى سياسية جنوبية يدفعنا في إتجاه الحركة الرأسية، ولو كعملية تكتيكية، فإنه بلا شك يدفع بقضيتنا إلى التصادم مع تلك القوى.. أما الحركة الأفقية (محلياً) فهي هامة جداً وواجبة بضوابطها السلمية والمؤدية إلى قوة القضية وثباتها وصيانتها من أي مؤشرات قد تسيء إليها.

من هذه المنطلقات فقد يكون من الأسلم للغالبية منّا، دعاة الاستقلال والتحرر، أن لا يضيفوا إليها شعار "استعادة الدولة" أو "فك الإرتباط".. فالاستقلال والتحرر يعني قيام دولة للجنوب بينما "فك الإرتباط" يعني فك ارتباط النظام السابق ليعود، أي كما تم تعريفه "أنه عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 22 مايو 1990م".. واستعادة الدولة تعني نفس المعنى.. فالدولة تُعرّف بأنها "أرض وشعب أو سكان ونظام حكم".. والاستعادة تعني استعادة ما كان، بما في ذلك نظام الحكم!! وقد لا يقصد المنادون بذلك هذه المعاني لكن هذا ما يفسره أي راصد لتوجهات القضية الجنوبية ويقول: "طالما الاستقلال والتحرر واضح فلا يوجد مبرر لإضافة شعارات أخرى تحدد معنى لا قبول له". كما أن مقولة استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية تؤكد ذلك وأن قائلها يؤكد يمنية الجنوب مما يعني أنه يقرّ بأن الهوية واحدة!!.. فيتساءل المتابع: "طالما هي يمنية فإن هذا يعني "انفصال" والأولى إن وقع ظلم أن يُزال هذا الظلم!!".

والقضية الجنوبية ليست في حاجة إلى أي تشكيك بل إلى الوضوح. وبعض الزملاء يعتقدون خطأ أن هذا يعطي شرعية قانونية والحقيقة أن هذا لا أساس له، لا سياسياً ولا قانونياً.. فلقد وقّع مَنْ مثّل ذلك النظام على إلغاء الشخصية الاعتبارية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقيام شخصية اعتبارية جديدة هي الجمهورية اليمنية وأودع هذا الاتفاق لدى الجامعة العربية والأمم المتحدة بعد المصادقة عليه في مجلسي الشعب والشورى، ولا يوجد في الاتفاقية أي بند يتحفظ على أي شيء، بل نصّت أن الدستور يتم العمل به بنهاية الفترة الانتقالية.. وأقاموا استفتاء عليه بعد الوحدة، يعني "عقد بعد الدخلة"، وأضافوا إليه ورقة تم الاستفتاء عليها "بأن الاستفتاء على الدستور يعني استفتاء على الوحدة".. كما أن الاحتجاج بقراري مجلس الأمن 924 و 931 خطأ بالغ فليس فيهما ذكر للجنوب أو للوحدة بل يعالجان أزمة في إطار الجمهورية اليمنية، ويطالبان "باستئناف الحوار" بين أطراف النزاع في اليمن!!. ولدينا سياسياً ما يبطل تماماً حِيَل وحجج الآخر وما يعزز بقوة القضية الجنوبية، كل ذلك دون الحاجة إلى التمسك بما لا قيمة للإحتجاج به، وبذلك نُزيل هذا اللُبس الذي يؤثر سلباً على القضية.

إن كنتُ قد أطلتُ في الإجابة على هذا السؤال فذلك لأهميته المحورية لحاضر ومستقبل القضية الجنوبية. وأناشد النخب المثقفة إثراء هذه القضايا علمياً.

س: مؤتمران جنوبيان على أعتاب الانعقاد، الأول لتيار الاستقلال.. والآخر لتيار الفيدرالية.. كيف تنظرون إليهما من حيث أبعادهما السياسية وتأثيرهما على القضية؟

ج: أولاً- توضيح: لا يوجد تيار موحد للاستقلال والتحرر.. ولا يوجد تيار واحد للفيدرالية..

ورغم طرحنا المبكر للفيدرالية بمسمى "الدولة المركبة" عام 2005م، ثم أكدناها عام 2009م، ثم في مطلع 2010م حددنا أنها بين إقليمين بالتساوي وثروة كل إقليم له واستفتاء بعد 3-5 سنوات لشعب الجنوب ليختار مستقبله، إلا أننا رفضنا المشاركة مع الإخوة في مؤتمر القاهرة ما لم يشمل كل الطيف الجنوبي وليس لجزء من فصيل.

ومن ينادي بدولة للجنوب هي عدة مكونات، منها من يقول "فك الارتباط"، ومنها من يقول "باستعادة الدولة" وهو نفس معنى "فك الارتباط"، ومنها من يقول وهو التيار الأغلب "استقلال وتحرر".

ومع حسن الظن بمقاصد الجميع إلا أنني أرى أن عقد مؤتمرات لتيارات أحادية التوجه قد يؤدي إلى إنشاء متارس للصراع مدمرة للقضية الجنوبية.

لذلك فالخشية من تعدد المؤتمرات أنها تمزق الممزق بدلاً من جمعه.. وأخشى أن تتحول إلى ما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية.. بلا موسيقى!!

وما يبدو في الأفق أن هناك أربعة مؤتمرات، لكل من الاتجاهين مؤتمران، كلٌ يعارض الآخر في إطار نفس التوجه.

والإشكالية الكبرى أن التوجه نحو أي مؤتمر يتم كسباق قبل بلورة رؤية جامعة، ومن الملاحظ أن على رأس كل تلك التكوينات قيادات أصلاً من فصيل واحد، بعضها تراكمت خلافاتها، وألقت بظلها على الحراك السلمي العظيم.

والأهمية القصوى أن نعلم جميعاً أن الإقصاء والأوحدية والوصاية كلها منطلقات لم يعد لها قبول في هذا العصر، لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً.. ولن نستطيع أن نستقطب تأييداً فاعلاً للقضية وهناك منّا من لايزال يفكر وكأننا في ستينيات القرن الماضي.. فذلك عصر ولَّى، شكلاً وموضوعاً، فكراً وثقافة وآليات وأدوات.. وعدم إدراكنا لهذا الأمر هو أحد أهم عوامل التردد في المواقف الدولية إزاء القضية الجنوبية.

ولذلك فقد يكون من الأصوب التمهيد لمؤتمر جنوبي شامل لا يستثني أحداً، فالجنوب لكل أبنائه كما أطلقتها كل التيارات في "شبوه" في مسيرة ومهرجان الخميس الماضي.. وأن يتم التحضير للمؤتمر من ممثلين لجميع الأطراف دون ازدواجية في التمثيل.

ونستطيع أن نوجد معادلة تجمع الجميع كما حدث في "التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي" عندما أقرينا أن [السقف هو الاستقلال والتحرر مع التعامل مع كل الأساليب والإتجاهات المحققة لطموحات شعب الجنوب في حياة حرة كريمة وفق خياره الحر].

ولا ينبغي أن يدعي أحد وصاية على شعب الجنوب أو أن مؤتمره يمثل الجنوب.. فهذا ما أوصل الجنوب إلى ما وصل إليه وأضاع نصف قرن من حياة شعبه، أي حياة جيلين ذهبت في الصراعات والضياع.

اللهم ما كان صحيحاً من قولي فبتوفيق منك، وما كان غير ذلك فمن نفسي.

عن صحيفة الامناء