المنصب ليس غاية بحد ذاته، والعبرة ليست بمن يتولى رئاسة الحكومة، بل بما يُحقق من إنجازات واقعية، وبالقدرة على تجاوز التحديات والتغلب على العقبات، بما ينعكس إيجاباً على حياة الناس وكرامتهم.
للأسف، ما نشهده اليوم من عبث وارتباك، خصوصًا في قضايا التعيينات، يُثير الكثير من التساؤلات، إذ بات التنقل بين المواقع يشبه تدوير الأزمات، وليس تدوير الكفاءات، وكأننا أمام مشهد عبثي يُعاد فيه إنتاج الفشل بأساليب جديدة.
المواطن لم يعد يبحث عن تغيير في الوجوه فقط، بل ينشد تغييرا جذرياً في النهج، يفضي إلى حلول واقعية، ويُعنى بتوفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه وكهرباء، ويُسهم في تحقيق استقرار اقتصادي فعلي، يُنقذ الأسواق من فوضى الأسعار التي أثقلت كاهل الجميع.
المؤسف أن شرعية الدولة، وكثيراً ممن تصدوا للمسؤولية، يفتقرون إلى مشروع وطني واضح، ويغرق البعض في وحل الفساد أو يقفون عاجزين عن تلبية أبسط متطلبات الناس، وما يزيد الجراح عمقاً هو استمرار القوى السياسية، بما فيها من يُفترض أنهم يمثلون إرادة الشعب، في دوامة المحاصصة وتقاسم النفوذ، متعاملين مع المناصب كغنائم لا كأمانات، ومقصين الكفاءات لصالح الولاءات الضيقة.
وفي الجنوب، تزداد المأساة وطأة بفعل غياب الإدارة الرشيدة، وتهميش الكفاءات الوطنية النزيهة، التي لا تنتمي لمنطقة أو مكون بعينه، فالوطن زاخر بالشرفاء والمخلصين، لكن المحاباة، والمناطقية، والعنصرية، تقف حواجز خطيرة في وجه أي مشروع نهضوي، فتعطّل مؤسسات الدولة، وتحرم الجنوب من فرص عادلة في التنمية والاستقرار.
إن الإصرار على تغييب الكفاءات، وتقديم الولاءات الحزبية والمناطقية على حساب النزاهة والخبرة، هو ما أبقى نظام المحاصصة جاثمًا على صدر الوطن، وأسهم في ترسيخ الفساد وشل الإدارة.
لقد آن الأوان لامتلاك الشجاعة الكافية لمراجعة أسباب الفشل، والاعتراف بالأخطاء، قبل أن تسحقنا عجلة التاريخ، فالتاريخ لا ينتظر أحداً، وحين يتحرك لا يرحم، والمهام جسام، والعدو متربص، والفرص تضيع سريعاً...!!
ويبقى الجنوب، كما عهدناه، حرًا، أبيًّا، شامخًا لا ينكسر.
✍️ ناصر العبيدي