*- شبوة برس - وضاح قحطان الحريري
جاءت استقالة رئيس وزراء الشرعية في عدن الدكتور أحمد عوض بن مبارك في لحظة سياسية مشحونة، لتشكل منعطفًا غير متوقع، وإن لم يكن مستغربًا. فمطالب الإقالة لم تكن موجهة لشخصه فقط، بل لحكومة أثقلت كاهل المواطنين بفشل إداري، وانهيار اقتصادي، وتردٍّ في الخدمات. الشارع، والصحافة، ومنصات التواصل، طالبت برحيل الحكومة، لا برأس فرد منها.
إلا أن تعاطي المجلس الرئاسي مع الاستقالة جاء باهتًا، خاليًا من الروح السياسية أو الحس القيادي. فبدلًا من أن تكون الاستقالة فرصة لمراجعة الأداء الحكومي وتصحيح المسار، تحولت إلى مجرد إجراء إداري، يؤكد حجم الارتباك داخل المؤسسة الرئاسية، وعجزها عن التحرك خارج ردود الأفعال.
في نص الاستقالة، لم يكتفِ بن مبارك بالتنحي، بل قدم تشخيصًا واضحًا للاختلالات التي تعصف بمؤسسة القرار: صلاحيات منزوعة، تدخلات غير دستورية، وأداء مشلول، في ظل غياب تام لروح العمل الجماعي. لقد وجه رسائل غير مباشرة لكل من يساهم في صناعة الجمود، في حكومة لم يُتح لها أن تحكم.
وتزداد علامات الاستفهام اتساعًا مع بروز الحديث عن الخليفة القادم، حيث يدور النقاش في الأوساط السياسية والشعبية حول ما إذا كان التغيير سيطال البنية، أم أنه سيكتفي بتغيير الواجهة. وهنا تبرز أسماء بحضور سياسي وإداري وازن، مثل الدكتور عبدالعزيز المفلحي، الذي عرف بموقفه الواضح إبان توليه منصب محافظ عدن في 2017، حين واجه الفساد بصراحة ورفض الاستمرار في منصب يُدار عن بعد.
لكن الواقع يقول إن الكفاءة وحدها لا تكفي. ما لم يُصحح المسار من الأعلى، وتُستعاد جدية القرار من قلب المجلس الرئاسي، فكل تغيير سيكون تجميليًا لا جوهريًا. والمجلس، للأسف، بات اليوم محل تشكيك من قبل شرائح واسعة، لا سيما مع انكشاف حجم التردد والتفكك في مكوناته.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتشارك السلطة كطرف سياسي يمثل الشارع الجنوبي، فعليه مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة. صحيح أنه تبنّى موقفًا متزنًا إزاء الاستقالة، إلا أن اللحظة السياسية تتطلب منه ما هو أبعد من المواقف: دفع باتجاه تشكيل حكومة فاعلة، ووضع رؤية اقتصادية عاجلة، وتغليب مصلحة المواطن على الحسابات السياسية.
النقد البنّاء هنا ليس استهدافًا، بل دعوة للارتقاء بالممارسة السياسية. على الانتقالي أن يتحرك كقوة تغيير حقيقية داخل منظومة الحكم، لا كمراقب لمشهد يتكرر بلا نتائج.
في المجمل، فتحت استقالة بن مبارك الباب لمساءلة شاملة: من يدير القرار؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وهل يملك المجلس الرئاسي الإرادة لقيادة المرحلة، أم أن زمام الأمور خارج يده؟ المواطن ينتظر إجابات واضحة، لا وجوهًا جديدة تعيد إنتاج العجز