عملية استمطار السحب قد تكون سببا لاندلاع حرب
عمليات تلقيح السحب تؤدي إلى تأجيج حالة عامة من جنون العظمة في ظل قيام حوالي خمسين دولة بعمليات تعديل للطقس في مختلف أنحاء العالم.
*- شبوة برس – العرب باريس
قد تكون عملية استمطار السحب سببا لاندلاع حرب؛ إذ على مدى عقود درجت بعض الدول على التحكّم في هذه الكتل البيضاء المعلقة في الغلاف الجوي، ما يمكن أن يتسبب في توترات جيوسياسية عالمية أو يؤججها في ظل التغيّر المناخي.
تقوم تقنية تلقيح السحب، التي ابتُكرت في أربعينات القرن العشرين، على الاستعانة بطائرة أو مسيّرة أو مدفع أرضي لإسقاط مادة معينة، مثل يوديد الفضة، في السحب لتشجيع تشكل المطر.
وقد صُممت هذه التقنية في البداية لمكافحة الجفاف، لكنها تُستخدم أيضا لمكافحة حرائق الغابات أو لتقليل حجم حبات البرد. وفي عام 2008 استخدمت الصين هذه التقنية لمحاولة منع هطول الأمطار على بناها التحتية خلال دورة الألعاب الأولمبية في بكين.
وأصبح تلقيح السحب سلاحا في حد ذاته عندما استخدمته الولايات المتحدة كجزء من "عملية باباي" لإبطاء تقدم القوات المعادية أثناء حرب فيتنام.
وردا على هذه الممارسة أقرت الأمم المتحدة في عام 1976 اتفاقية تعنى بـ"حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى” عُرفت اختصارا بـENMOD.
لكن "تطبيقاتها محدودة للغاية،" وفق قول مارين دي غوليلمو فيبر، الباحثة في معهد الأبحاث الإستراتيجية التابع للأكاديمية العسكرية في فرنسا والمديرة العلمية لمرصد الدفاع والمناخ.
*- إذا علمت دولة ما أن جارتها تعمل على تعديل الطقس، فإنها ستميل على الفور إلى لوم جارتها لتبرير الجفاف
وتوضح فيبر أن "الاتفاقية تعتمد على مفهوم العمد، أي عندما تتسبب دولة ما في حدوث خطر مناخي على أراضي دولة مجاورة، بينما تدعي أنها لم تقصد القيام بذلك، فيما مسؤوليتها تتآكل" في هذا المجال.
ومع ذلك من الصعب على المجتمع العلمي أن يُثبت بسهولة العلاقة بين الكوارث الطبيعية وتأثيرات تغير المناخ. وتضيف فيبر "تخيلوا لو اضطررنا إلى إرجاع حدوث ظاهرة ما إلى ممارسات تعديل الطقس، عندئذ سيكون إثبات مسؤولية الدولة شبه مستحيل.”
وثمة تحدّ آخر يتمثل في تزايد انعدام الثقة بالمؤسسات العلمية، وهو ما يتضح على سبيل المثال من خلال الاقتطاعات في الميزانية التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الوكالات، وفق الباحثة.
وفي سياق من "الارتباك الشديد في المعلومات… تنتصر المؤامرة في بعض الأحيان،" بحسب فيبر. وفي هذا المجال، عام 2024، وفي أعقاب فيضانات تاريخية في جنوب البرازيل، اتهم الآلاف من مستخدمي الإنترنت المجتمع العلمي بالتسبب في هذه الأمطار الغزيرة من خلال تلقيح السحب، نافين بذلك مسؤوليتهم عن تغير المناخ.
وفي هذا السياق قد تؤدي عمليات تلقيح السحب إلى تأجيج “حالة عامة من جنون العظمة،” في ظل قيام حوالي خمسين دولة حاليا بعمليات تعديل للطقس في مختلف أنحاء العالم.
وتقول فيبر إن الصين، وهي مستثمر رئيسي في تقنيات تلقيح السحب، تقوم باستثمارات ضخمة في هضبة التبت. وتدرس البلاد مبادرة “سكاي ريفر” التي أطلقتها بكين في عام 2018 لتخفيف نقص المياه وتعزيز الأمن الغذائي في البلاد.
لكن هذا الأمر قد يؤثر على توافر الموارد المائية في البلدان الواقعة في مجرى النهر، مثل الهند، حسب توضيح الباحثة في أحدث مذكرة بحثية لها لصالح معهد الأبحاث الإستراتيجية التابع للأكاديمية العسكرية في فرنسا، نُشرت في 17 مارس.
وتوضح فيبر “إذا علمت دولة ما أن جارتها تعمل على تعديل الطقس، فإنها ستميل على الفور إلى لوم جارتها لتبرير الجفاف.” ويقول المحامي الفرنسي ماتيو سيمونيه إن “الخطر الحقيقي على صعيد سرقة السحب يرتبط بالجانب النفسي.”
وقد نشأت توترات بين إسرائيل وإيران في عام 2018، عندما اتهم جنرال إيراني الإسرائيليين بـ”سرقة السحب” (استخدام التكنولوجيا للتلاعب بأنماط الطقس)، بهدف منع هطول الأمطار في إيران التي كانت تعاني آنذاك من جفاف شديد. وفي نهاية المطاف نفى رئيس هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية هذه الاتهامات.
ويشير ماتيو سيمونيه إلى أنه “لو لم ينفِ ذلك (مسؤول الأرصاد الجوية في إيران)، لكان هناك خطر يتمثل في أن تعمد الفئات السكانية التي كانت تعاني بالفعل من مشكلة جفاف كبرى إلى التصعيد في وجه إسرائيل.”
وفي عام 2022 استحدث هذا المحامي اليوم العالمي للسحب، خصوصا بهدف زيادة الوعي بالفراغ القانوني في هذا المجال. ويرى سيمونيه أن السحب ينبغي اعتبارها منفعة مشتركة، وأنه “لا يمكن لأي دولة أن تقرر بمفردها ما يجب أن تفعله بالسحب،” أو حتى منحها شخصية قانونية.
ويأمل ماتيو سيمونيه هذا العام أن ينجح مشروع إدراج كتل بخار الماء هذه ضمن التراث العالمي لليونسكو. ولكنه يشير إلى أننا في الوقت الراهن “لا نزال في البداية على صعيد قانون السحب.”